ومنه قوله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ١، قال:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} ، فجاء بالكلام على طريقة التكلم، ثم انتقل إلى الغيبة في قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ} ، ومقتضى الظاهر أن يقول: فصل لنا، وفيه إشارة إلى حثه إلى الصلاة؛ لأنها لربه الذي رعاه ورباه، فكأنه يقوي داعي الصلاة بذكر ربه.
ومثله قوله تعالى:{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ٢، فقد جرى الأسلوب كما ترى على طريقة التكلم:{إنا أنزلناه ... إنا كنا ... من عندنا ... } ثم انتقل إلى طريق الغيبة: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} ، وكان مقتضى ظاهر السياق أن يقول: رحمة منها، ولكن هذا الانتقال هيأ خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المنزل عليه الكتاب، ولو قال: رحمة منا، لما كان هناك سبيل إلى ذكره -صلى الله عليه وسلم، ثم إنه لما قال: رحمة، ناسبها ذكر الرب؛ لأنه يشير إلى معنى التربية والرفق والعناية.
جرى الأسلوب كما ترى على طريقة التكلم:{إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ} ، ثمانتقل إلى طريقة الغيبة:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، وكان مقتضى ظاهر الأسلوب أن يقول: فآمنوا بالله وبي: والالتفات إلى الاسم الظاهر هيأ إلى