كما يدلّ عليه ما بعدها، أن المراد ــ والله أعلم ــ بقوله:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} أي: نوجّه نظرَه إلى أشياء من آيات مُلْكنا في السماوات والأرض، ونفتح له بسببها فهمًا واستدلالًا يؤكّد يقينه في نفسه، ويكون له حجةً على قومه. فإنّ عقب هذه الآية:{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} الآيات، وظاهر ترتيبها بالفاء أنها من ثمرة قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي} وهذا ظاهر فيما قلناه.
وقوله:{هَذَا رَبِّي} استفهام بِحَذْف أداته لتكون على صورة الإخبار، فيظن قومه أن ذلك منه إخبار، وأنه موافق لهم في دينهم، ليكون ذلك أدعى إلى نظرهم وتأمّلهم وعَقْلِهم الحجة فيه (١)، والله أعلم.
[*٥] ومما يدلّ على أنه ليس المراد من الآية أن الله تعالى أظهر إبراهيم على جميع الغيب قولُه بعد هذه الآيات: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأنعام: ٨٠]. ولما جاءه الملائكة لم يعرف أنهم ملائكة، بل ذهب فجاءهم بعجلٍ حنيذٍ، فلما رأى أيديهم لا تَصِل إليه نَكِرَهم وأوجس منهم خيفة.
وفي حديث «الصحيحين»(٢) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لم يكذب إبراهيم ... » الحديث «بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبارٍ من الجبابرة، فقيل له: إن ههنا رجلًا ... » الحديث،
(١) غير واضحة ولعلها ما أثبتّ. (٢) البخاري (٣٣٥٨)، ومسلم (٢٣٧١).