اختلفت فروع الشرائع (١)؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات (٢) أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، [وليس بيني وبين عيسى نبي]» (٣).
ثم ختم الله -تعالى- الشرائع كلها بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسله الله إلى جمح الثقلين: من إنس وجن، ونسخت شريعته جميع الشرائع السابقة، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: ٨٥](٤).
وقال صلى الله عليه وسلم:«والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي أو نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»(٥).
والله -تعالى- حكيم عليم {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء: ٢٣](٦) ولا غرابة في أن يرفع شرع بآخر مراعاة لمصلحة العباد عن علم سابق من علام الغيوب تبارك وتعالى، ولكن اليهود والنصارى (٧) أنكروا نسخ الشريعة
(١) انظر: فتح الباري ٦/ ٤٨٩. (٢) أولاد العلات: الإخوة من أب وأمهاتهم شتى. (الضرائر). فتح الباري ٦/ ٤٨٩. (٣) البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب قول الله -تعالى-: " واذكر في الكتاب مريم. . . "، ٦/ ٤٧٧، ومسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى صلى الله عليه وسلم، ٤/ ١٨٣٧، وما بين المعقوفين من البخاري ٦/ ٤٧٨، ومسلم ٤/ ١٨٣٧. (٤) سورة آل عمران، الآية ٨٥. (٥) مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته ١/ ١٣٤. (٦) سورة الأنبياء، الآية ٢٣. (٧) لتداخل أقوال النصارى مع اليهود في النسخ، فسأذكر الرد عيهم جميعا في هذا المسلك إن شاء الله تعالى.