إليه يسمعون ما يقول، فلما رأى الحال بكى، وافتتح خطبته بقوله تعالى:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام: ٥٤](١) ثم أعادها مرارًا فضج الناس بالبكاء والنحيب والتوبة والإنابة، وقال: استغفروا ربكم، وتوبوا إليه، وتقربوا بالأعمال الصالحات لديه، فجأرُوا بالدعاء والتضرع، وخطب فأبلغ، فلم ينفض القوم حتى نزل غيث عظيم (٢).
وأخبار هذا القاضي كثيرة حسنة جدًّا، ومنها: أنه استسقى مرةً فقال يهتف بالخلق: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ - إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}[فاطر: ١٥ - ١٦](٣) فهذا الموقف من أعظم المواقف الإيمانية الحكيمة؟ لأن الداعية إذا صدق مع الله- تعالى- وتأثر بما يدعو إليه، تأثر الناس في الغالب؟ ولهذا صدق منذر ففتح الله له قلوب الناس، واستجاب الله لهم فأنزل عليهم الغيث بفضله وكرمه.
فحري بالدعاة إلى الله- تعالى- أن يسلكوا مسالك الحكمة في دعوتهم إلى الله تعالى.
(١) سورة الأنعام، الآية ٥٤. (٢) انظر: الكامل لابن الأثير، ٧/ ٨٢، وسير أعلام النبلاء، ٦/ ١٧٦، والبداية والنهاية، ١١/ ٢٨٩. (٣) سورة فاطر، الآية ١٥ - ١٦.