وأما قوله:{أَنْ تَبَرُّوهُمْ} فقد قال بعض المعربين: إنه من الموصول بدل اشتمال، وأن ما دخلت عليه في تأويل مصدر، والتقدير {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ}[سورة الممتحنة آية: ٨] بر من لم يقاتل في الدين; ولو قال هذا البعض: إنه بدل بدء، لكان أظهر، إذ لا يظهر الاشتمال بأنواعه التسعة.
هذا، والأظهر عندي أن لا بدل مطلقا، وأن الموصول معمول للمصدر المتأخر المأخوذ من أن وما دخلت عليه ; فالموصول إذا في محل نصب بالمصدر المسبوك، وتأخر العامل لا يضر، وما على البدلية، فهو في محل جر.
وقوله:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[سورة الممتحنة آية: ٨] أكد الجملة هنا لمناسبة مقتضى الحال، إذ المقام مظنة لغلط الأكثر، ولتوهم خلاف المراد؛ فاقتضى التأكيد، والتوفية بالأداة، كما يعلم من فن المعاني; وقوله:{فِي الدِّينِ} في سببيه كما في قوله: " دخلت النار امرأة في هرة " ١ الحديث.
وسبب النّزول: ما رواه الإمام أحمد في مسنده، حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت:" قدمت أمي - وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا - فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم صلي أمك " ٢ وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم.
١ البخاري: بدء الخلق (٣٣١٨) ، ومسلم: التوبة (٢٦١٩) ، وابن ماجه: الزهد (٤٢٥٦) ، وأحمد (٢/٤٥٧) . ٢ البخاري: الهبة وفضلها والتحريض عليها (٢٦٢٠) ، ومسلم: الزكاة (١٠٠٣) ، وأبو داود: الزكاة (١٦٦٨) ، وأحمد (٦/٣٤٤) .