فإذا عرف أن {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}[سورة فاطر آية: ٢] صار توكله ورجاؤه إلى الله وحده. وإذا عرف ما يستحقه من الشكر الذي يستحقه، صار ... ١ له والشر انحصر سببه في النفس، فعلم من أين يؤتى، فتاب واستعان بالله.
كما قال بعض السلف: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه. وقد تقدم قول السلف - ابن عباس وغيره - إن ما أصابهم يوم أحد مطلقا كان بذنوبهم لم يستثن أحد، وهذا من فوائد تخصيص الخطاب، لئلا يظن أنه عام مخصوص.
التاسع: أن السيئة إذا كانت من النفس، والسيئة خبيثة كما قال تعالى:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ}[سورة النور آية: ٢٦] الآية قال جمهور السلف: الكلمات الخبيثات للخبيثين، وقال:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ}[سورة إبراهيم آية: ٢٦] ، وقال:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}[سورة فاطر آية: ١٠] ، والأقوال والأفعال صفات بالقائل الفاعل، فإذا اتصفت النفس بالخبث، فمحلها ما يناسبها.
فمن أراد أن يجعل الحيات يعاشرن الناس كالسنانير لم يصلح ; بل إذا كان في النفس خبث طهرت حتى تصلح للجنة، كما في حديث أبي سعيد الذي في الصحيح، وفيه " حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة " ٢.