وكما ثبت من جوابه لعائشة لمّا أَشكل عليها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من نوقش الحساب عُذِّب)(١)
وكاستشكالهم حشْر صنفٍ من الناس يوم القيامة على وجوههم، كما ثبت عن أَنس بن مالك - رضي الله عنه -،أنَّ رجلًا قال: يا نبيَّ الله كيف يُحْشر الكافرُ على وجْهِهِ يوم القيامة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: (أليسَ الَّذي أَمْشَاهُ على الرِّجلين في الدُّنيا قادرًا على أَن يُمْشيه على وجهه يوم القيامة)(٢)
وغيرها من الشواهد الدَّالة على إعمالهم العقل في فهم الدَّلائل =أو حصول المعارضة للنَّصِّ بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - بدليل شرعي قد يعتضد بنظر عقلي يؤيده لا بمعقول محض، وذلك في وقائع نادرة كما تقدم.
وبالجملة: فإنَّ الحديثَ متى كان صحيحًا محكمًا، فالأمر فيه كما قرَّره الإمام الشَّافعي -رحمه الله- عندما سئل بأي شيءٍ يثبت الخبر، فقال:(إذا حَدَّث الثقةُ عن الثقةِ حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُترك له حديثٌ أَبدًا= إلا حديثٌ واحدٌ يُخالفُه حديثٌ، فيذهب إلى أَثبت الرِّوايتين، أو يكون أَحدهما مَنسوخًا فيعمل بالنَّاسخِ، وإن تَكَافيَا =ذَهَبَ إلى أشبههما بكتاب الله وسنة نَبيِّه فيما سواهما. وحديث رسول - صلى الله عليه وسلم - مستغن بنفسه وإذا كان يروى عمن دونه حديث يخالفه لم ألتفت إليه وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى)(٣) .
(١) أخرجه البخاري كتاب"العلم" باب"من سمع شيئاً فراجع حتى عرفه" (١/ ٥٤ - [١٠٣]) (٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب "التفسير"،باب"سورة الفرقان" (٦/ ١٠٩ - رقم [٤٧٦٠]) ومسلم في "صحيحه"كتاب "صفات المنافقين وأحكامهم"،باب"يحشر الكافر على وجهه" (٤/ ٢١٦١ - رقم [٢٨٠٦]) (٣) أخرجه الهروي بإسناده في "ذمِّ الكلام وأهله" (٢/ ١٧٥) ,وهو في كتاب"اختلاف مالك والشَّافعي" (٨/ ٥١٣ - ٥١٤ - الأم)،وإنَّما سُقتُ ما أخرجه الهروي مع وجود الأَصل؛ لأنَّ الرِّواية عنده مختصرة ودالَّة على المقصود