أَيْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ؛ أَلا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تَنْزِلُوا بِهِمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يُوَافُوهُ باموسم١، فَوَافَوْهُ؛ فَقَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي بَعَثْتُ عُمَّالِي هَؤُلاءِ وُلاةً بِالْحَقِّ عَلَيْكُمْ وَلَمْ أَسْتَعْمِلْهُمْ لِيُصِيبُوا مِنْ أَبْشَارِكُمْ وَلا مِنْ دِمَائِكُمْ وَلا مِنْ أَمْوَالِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَلْيَقُمْ. قَالَ: فَمَا قَامَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَامِلُكَ ضَرَبَنِي مِائَةَ سَوْطٍ؛ فَقَالَ عُمَرُ: أَتَضْرِبُهُ مِائَةَ سَوْطٍ؟ قُمْ فَاسْتَقِدْ مِنْهُ؛ فَقَامَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْ هَذَا عَلَى عُمَّالِكَ كَبُرَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ سُنَّةً يَأْخُذُ بِهَا مَنْ بَعْدَكَ؛ فَقَالَ عُمَرُ: أَلا أُقِيدُهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيدُ مِنْ نَفْسِهِ؟ قُمْ فَاسْتَقِدْ؛ فَقَالَ عَمْرُو: دَعْنَا إِذًا فَلْنُرْضِهِ. قَالَ فَقَالَ: دُونَكُمْ. قَالَ: فَأَرْضَوْهُ بِأَنِ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ، كُلَّ سَوط بدينارين٢.
مَا شَرطه عمر على عماله وتأديبهم:
قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ بن عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ عمَارَة بن خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلا أَشْهَدَ عَلَيْهِ رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا: أَنْ لَا يَرْكَبَ بِرْذَوْنًا، وَلا يَلْبَسَ ثَوْبًا رَقِيقًا، وَلا يَأْكُلَ نَقِيًّا٣، وَلا يُغْلِقَ بَابًا دُونَ حَوَائِجِ النَّاسِ، وَلا يَتَّخِذَ حَاجِبًا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بعض طرق الْمَدِينَة إِذا هَتَفَ بِهِ رَجُلٌ: يَا عُمَرُ أَتَرَى هَذِهِ الشُّرُوطَ تُنْجِيكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَامِلُكَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ عَلَى مِصْرَ وَقَدْ لَبِسَ الرَّقِيق، وَاتخذ الحاجبز فَدَعَا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَكَانَ رَسُولُهُ إِلَى الْعُمَّالِ فَبَعَثَهُ وَقَالَ: ائْتِنِي بِهِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَجِدُهُ عَلَيْهَا. قَالَ فَأَتَاهُ فَوَجَدَ على بَابه جاجبا؛ فَدَخَلَ فَإِذَا عَلَيْهِ قَمِيصٌ رَقِيقٌ. قَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَقَالَ: دَعْنِي أَطْرَحُ عَلَيَّ قِبَائِي. فَقَالَ: لَا، إِلا عَلَى حَالِكِ هَذِهِ. قَالَ: فَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ قَالَ: انْزَعْ قَمِيصَكَ. ودعا بمدرعة صوف وبريضة مِنْ غَنَمٍ وَعَصَا فَقَالَ: الْبَسْ هَذِه المدرعة وَخذ هَذَا الْعَصَا وَارْعَ هَذِهِ الْغَنَمَ وَاشْرَبْ واسقم مَنْ مَرَّ بِكَ وَاحْفَظِ الْفَضْلَ علينا. أسمعت؟
١ موسم الْحَج بِمَكَّة المشرقة.٢ بِهَذَا الْعدْل قَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَعم نور الْإِسْلَام مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا.٣ الْخبز الْمَصْنُوع من الدَّقِيق المنخول.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute