لا تأمنى فجمع دهر مترف ختل … قد استوى عنده من طاب أو خبثا
يا رب ذي أمل فيه على وجل … أضحى به آمنا امسى وقد حدثا
من كان حين تصيب الشمس جبهته … أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته … فكيف يسكن يوما راغما جدثا
قفراء موحشة غبراء مظلمة … يطيل تحت الثرى من قعرها اللبثا
وقد ذكرها ابن أبى الدنيا فعمر أنشدها عنه، والله ﷾ أعلم.
وكان عمر يتمثل بها كثيرا ويبكى] (١) وقال الفضل بن عباس الحلبي: كان عمر بن عبد العزيز لا يجف فوه من هذا البيت:
ولا خير في عيش امرئ لم يكن له … من الله في دار القرار نصيب
وزاد غيره معه بيتا حسنا وهو قوله:
فان تعجب الدنيا أناسا فإنها … متاع قليل والزوال قريب
ومن شعره الّذي أنشده ابن الجوزي:
أنا ميت وعز من لا يموت … قد تيقنت أننى سأموت
ليس ملك يزيله الموت ملكا … إنما الملك ملك من لا يموت
وقال عبد الله بن المبارك: كان عمر بن عبد العزيز يقول (٢): -
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى … كما اغتر باللذات في النوم حالم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة … وليلك نوم والردى لك لازم
وسعيك فيما سوف تكره غبه … كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وقال محمد بن كثير: قال عمر بن عبد العزيز يلوم نفسه:
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم … وكيف يطيق النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لحرّقت … محاجر عينيك الدموع السواجم
بل أصبحت في النوم الطويل وقد دنت … إليك أمور مفظعات عظائم
وتكدح فيما سوف تكره غبّه … كذلك في الدنيا تعيش البهائم
فلا أنت في النوام يوما بسالم … ولا أنت في الإيقاظ يقظان حازم
وروى ابن أبى الدنيا بسنده عن فاطمة بنت عبد الملك قالت: انتبه عمر ذات ليلة وهو يقول:
لقد رأيت الليلة رؤيا عجيبة، فقلت: أخبرنى بها، فقال: حتى نصبح، فلما صلى بالمسلمين دخل
(١) سقط من نسخة الاستانة
(٢) وهي من نظم عبد الله بن عبد الأعلى.