لِلْمَصْدَرِ وَهُمْ قَوْمٌ سُجُودٌ فِي جَمْعِ سَاجِدٍ، تَظُنُّ أَنَّهُمَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَعْنَيَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ السُّجُودُ عِنْدَ كَوْنِهِ مَصْدَرًا حَرَكَتُهُ أَصْلِيَّةٌ إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْفِعْلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَصْدَرِ/ وَحَرَكَةُ السُّجُودِ عِنْدَ كَوْنِهِ لِلْجَمْعِ حَرَكَةٌ مُتَغَيِّرَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْجَمْعَ يُشْتَقُّ مِنَ الْوَاحِدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ الْمُشْتَقَّ تَغْيِيرٌ فِي حَرَكَةٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ فِي مَجْمُوعِهِمَا، فَسَاجِدٌ لَمَّا أَرَدْنَا أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ لَفْظُ جَمْعٍ غَيَّرْنَاهُ، وَجِئْنَا بِلَفْظِ السُّجُودِ، فَإِذًا السُّجُودُ لِلْمَصْدَرِ وَالْجَمْعُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي وُضِعَتْ بِحَرَكَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَعْنَيَيْنِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ الْفُلْكُ عِنْدَ كَوْنِهِ وَاحِدًا مِثْلُ قُفْلٍ وَبُرْدٍ، وَعِنْدَ كَوْنِهَا جَمْعًا مِثْلُ خُشُبٍ وَمُرُدٍ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا جَعَلْتَهُ جَمْعًا مَاذَا يَكُونُ وَاحِدًا مِثْلُ قُفْلٍ وَبُرْدٍ، وَعِنْدَ كَوْنِهَا جَمْعًا مِثْلُ خُشُبٍ وَمُرُدٍ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا جَعَلْتَهُ جَمْعًا مَاذَا يَكُونُ وَاحِدُهَا؟ نَقُولُ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدُهَا فُلْكَةً أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا لَمْ يُسْتَعْمَلْ كَوَاحِدِ النِّسَاءِ حَيْثُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ، وكذا القول في: إِمامٍ مُبِينٍ [يس: ١٢] وَفِي قَوْلِهِ: نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ «١» بِإِمامِهِمْ [الْإِسْرَاءِ: ٧١] أَيْ بِأَئِمَّتِهِمْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِمامٍ مُبِينٍ إمام كَزِمَامٍ وَكِتَابٍ وَعِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّ أُناسٍ «٢» بِإِمامِهِمْ إِمَامٌ كَسِهَامٍ وَكِرَامٍ وَجِعَابٍ وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ التَّصْرِيفِ وَأَمَّا الْمَعْنَوِيَّةُ: فَنَذْكُرُهَا فِي مَسَائِلَ:
المسألة الأولى: قال هاهنا: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِحَمْلِ ذُرِّيَّتِهِمْ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ [الْحَاقَّةِ: ١١] مَنَّ هُنَاكَ عَلَيْهِمْ بِحَمْلِ أَنْفُسِهِمْ، نَقُولُ لِأَنَّ مَنْ يَنْفَعُ الْمُتَعَلِّقَ بِالْغَيْرِ يَكُونُ قَدْ نَفَعَ ذَلِكَ الْغَيْرَ، وَمَنْ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عن الْمُتَعَلِّقِ بِالْغَيْرِ لَا يَكُونُ قَدْ دَفَعَ الضَّرَرَ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، بَلْ يَكُونُ قَدْ نَفَعَهُ مِثَالُهُ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى وَلَدِ إِنْسَانٍ وَفَرَّحَهُ فَرِحَ بِفَرَحِهِ أَبُوهُ، وَإِذَا دَفَعَ وَاحِدٌ الْأَلَمَ عَنْ وَلَدِ إِنْسَانٍ يَكُونُ قَدْ فَرَّحَ أَبَاهُ وَلَا يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْ أَزَالَ الْأَلَمَ عن أبيه، فعند طُغْيَانِ الْمَاءِ كَانَ الضَّرَرُ يَلْحَقُهُمْ فَقَالَ دَفَعْتُ عَنْكُمُ الضَّرَرَ، وَلَوْ قَالَ دَفَعْتُ عَنْ أَوْلَادِكُمُ الضَّرَرَ لَمَا حَصَلَ بَيَانُ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ، وهاهنا أَرَادَ بَيَانَ الْمَنَافِعِ فَقَالَ: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ لِأَنَّ النَّفْعَ حَاصِلٌ بِنَفْعِ الذُّرِّيَّةِ وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا أن هاهنا قَالَ: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَإِنَّ امْتِلَاءَ الْفُلْكِ مِنَ الْأَمْوَالِ يَحْصُلُ بِذِكْرِهِ بَيَانُ الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا دَفْعُ الْمَضَرَّةِ فَلَا، لِأَنَّ الْفُلْكَ كُلَّمَا كَانَ أَثْقَلَ كَانَ الْخَلَاصُ بِهِ أَبْطَأَ وَهُنَالِكَ السَّلَامَةُ، فَاخْتَارَ هُنَالِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَلَاصِ مِنَ الضرر وهو الجري، وهاهنا مَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الشَّحْنُ، فَإِنْ قِيلَ قَالَ تَعَالَى: وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الْإِسْرَاءِ: ٧٠] وَلَمْ يَقُلْ: وَحَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَيَانُ النِّعْمَةِ، لَا دَفْعُ النِّقْمَةِ، نَقُولُ لَمَّا قَالَ: فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عَمَّ الْخَلْقَ، لِأَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ إلا وحمل فِي الْبَرِّ أَوِ الْبَحْرِ، وَأَمَّا الْحَمْلُ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَعُمَّ، فَقَالَ إِنْ كُنَّا مَا حَمَلْنَاكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ فَقَدْ حَمَلْنَا مَنْ يُهِمُّكُمْ أَمْرُهُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ وَالْإِخْوَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: الْمَشْحُونِ يُفِيدُ فَائِدَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَهِيَ أَنَّ الْآدَمِيَّ يَرْسُبُ فِي الْمَاءِ وَيَغْرَقُ، فَحَمْلُهُ فِي الْفُلْكِ وَاقِعٌ بِقُدْرَتِهِ، لَكِنَّ مِنَ الطَّبِيعِيِّينَ مَنْ يَقُولُ الْخَفِيفُ لَا يَرْسُبُ فِي الْمَاءِ، لِأَنَّ الْخَفِيفَ يَطْلُبُ جِهَةَ فَوْقُ فَقَالَ: الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أَثْقَلُ مِنَ الثِّقَالِ الَّتِي تَرْسُبُ، وَمَعَ هَذَا حَمَلَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ فِيهِ مَعَ ثِقَلِهِ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الْخَلَاءِ نَقُولُ قَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى جَوَازِ الْخَلَاءِ فِي الْكُتُبِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِذَنْ لَيْسَ حِفْظُ الثَّقِيلِ فَوْقَ الْمَاءِ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثالثة: قال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ [يس: ٣٣] وقال: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ [يس: ٣٧] ولم يقل
(١) من عجب أن نسخة المطبعة الأميرية رسم فيها «أناث» هكذا بالثاء في الموضعين وهو تحريف ظاهر وخطأ في القرآن.(٢) نفس المصدر. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute