السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ نَكَّرَ الْمَاءَ فِي قَوْلِهِ: مِنْ ماءٍ وَجَاءَ مُعَرَّفًا فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٠] وَالْجَوَابُ: إنما جاء هاهنا مُنَكَّرًا لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ نَوْعٍ مِنَ الْمَاءِ يَخْتَصُّ بِتِلْكَ الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا جَاءَ مُعَرَّفًا فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ كونهم مخلوقين من هذا الجنس، وهاهنا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْجِنْسَ يَنْقَسِمُ إِلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: فَمِنْهُمْ ضَمِيرُ الْعُقَلَاءِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مِنْ فَلِمَ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَا لَا يَعْقِلُ مَعَ مَنْ يَعْقِلُ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ فَغَلَبَ/ اللَّفْظُ اللَّائِقُ بِمَنْ يَعْقِلُ، لِأَنَّ جَعْلَ الشَّرِيفِ أَصْلًا وَالْخَسِيسِ تَبَعًا أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، وَيُقَالُ فِي الْكَلَامِ: مَنِ الْمُقْبِلَانِ؟ لِرَجُلٍ وَبَعِيرٍ.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: لِمَ سَمَّى الزَّحْفَ عَلَى الْبَطْنِ مَشْيًا؟ وَيُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ يَحْبُو وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ يَمْشِي وَإِنْ زَحَفَ عَلَى حَدِّ مَا تَزْحَفُ الْحَيَّةُ وَالْجَوَابُ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَمَا قَالُوا فِي الْأَمْرِ الْمُسْتَمِرِّ قَدْ مَشَى هَذَا الْأَمْرُ، وَيُقَالُ فُلَانٌ لَا يَتَمَشَّى لَهُ أَمْرٌ أَوْ عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ (لِذَلِكَ) «١» الزَّاحِفِ مَعَ الْمَاشِينَ.
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْقِسْمَةَ لِأَنَّا نَجِدُ مَا يَمْشِي عَلَى أَكْثَرَ من أربع مثال الْعَنَاكِبِ وَالْعَقَارِبِ وَالرُّتَيْلَاتِ بَلْ مِثْلُ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رِجْلًا الَّذِي يُسَمَّى دَخَّالُ الْأُذُنِ وَالْجَوَابُ: الْقِسْمُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ كَالنَّادِرِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ وَلِأَنَّ الْفَلَاسِفَةَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ مَا لَهُ قَوَائِمُ كَثِيرَةٌ فَاعْتِمَادُهُ إِذَا مَشَى عَلَى أَرْبَعِ جِهَاتِهِ لَا غَيْرَ فَكَأَنَّهُ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشاءُ كَالتَّنْبِيهِ عَلَى سَائِرِ الْأَقْسَامِ.
السُّؤَالُ السَّادِسُ: لم جاءت الأجناس الثابثة عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ؟ وَالْجَوَابُ: قَدْ قَدَّمَ مَا هُوَ (أَعْجَبُ) «٢» وَهُوَ الْمَاشِي بِغَيْرِ آلَةِ مَشْيٍ من أجل أَوْ قَوَائِمَ ثُمَّ الْمَاشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ثُمَّ الْمَاشِي عَلَى أَرْبَعٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشاءُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ كَمَا اخْتَلَفَتْ بِحَسَبِ كَيْفِيَّةِ الْمَشْيِ فَكَذَا هِيَ مختلفة بحسب أمور أخر، فلنذكر هاهنا بَعْضَ التَّقْسِيمَاتِ:
التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ: الْحَيَوَانَاتُ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي أَعْضَاءٍ وَقَدْ تَتَبَايَنُ بِأَعْضَاءٍ، أَمَّا الشَّرِكَةُ فَمِثْلُ اشْتِرَاكِ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ فِي أَنَّ لَهُمَا لَحْمًا وَعَصَبًا وَعَظْمًا، وَأَمَّا التَّبَايُنُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْعُضْوِ أَوْ فِي صِفَتِهِ، أَمَّا التَّبَايُنُ فِي نَفْسِ الْعُضْوِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ الْعُضْوُ حَاصِلًا لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ حَاصِلَةً لِلثَّانِي كَالْفَرَسِ وَالْإِنْسَانِ، فَإِنَّ الْفَرَسَ لَهُ ذَنَبٌ وَالْإِنْسَانُ لَيْسَ لَهُ ذَنَبٌ وَلَكِنَّ أَجْزَاءَ الذَّنَبِ لَيْسَتْ إِلَّا الْعَظْمَ وَالْعَصَبَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ وَالشَّعْرَ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَاصِلٌ لِلْإِنْسَانِ وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْعُضْوُ حَاصِلًا لِلثَّانِي لَا بِذَاتِهِ وَلَا بِأَجْزَائِهِ مِثْلُ أَنَّ لِلسُّلَحْفَاةِ صَدَفًا يُحِيطُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ ذَلِكَ وَكَذَا لِلسَّمَكِ فُلُوسٌ وَلِلْقُنْفُذِ شَوْكٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا لِلْإِنْسَانِ وَأَمَّا التَّبَايُنُ فِي صِفَةِ الْعُضْوِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْكَمِّيَّةِ أَوِ الْكَيْفِيَّةِ أَوِ الْوَضْعِ أَوِ الْفِعْلِ أَوِ الِانْفِعَالِ، أَمَّا الَّذِي فِي الْكَمِّ، فَإِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمِقْدَارِ مِثْلَ أَنَّ عَيْنَ الْبُومِ كَبِيرَةٌ وَعَيْنَ الْعُقَابِ صَغِيرَةٌ أَوْ بِالْعَدَدِ مِثْلَ أَنَّ أرجل
(١) في الكشاف للزمخشري (لذكر) ٣/ ٧١ ط. دار الفكر.(٢) في الكشاف للزمخشري (أعرق في القدرة) ٣/ ٧١ ط. دار الفكر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute