نِعْمَةَ اللَّهِ قِيلَ: هِيَ الْإِسْلَامُ. وَالْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: مَا أَخَذَهُ عَلَى بَنِي آدَمَ كَمَا قَالَ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ «١» الْآيَةَ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: نَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَذْكُرْهُ فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ بِهِ وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلْيَهُودِ، وَالْعَهْدُ: مَا أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ. وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَضَافَهُ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَنْ أَمْرِهِ وَإِذْنِهِ كَمَا قَالَ: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ «٢» ، وَبَيْعَةُ الْعَقَبَةِ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ، وَهَذَا متصل بقوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «٣» . قَوْلُهُ: إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا أَيْ وَقْتَ قَوْلِكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِ واثَقَكُمْ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا: أَيْ كَائِنًا هَذَا الوقت، وبِذاتِ الصُّدُورِ: مَا تُخْفِيهِ الصُّدُورُ لِكَوْنِهَا مُخْتَصَّةً بِهَا لَا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ، وَلِهَذَا أَطْلَقَ عَلَيْهَا ذَاتَ الَّتِي بِمَعْنَى الصَّاحِبِ، وَإِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ عَالِمًا بِهَا فَكَيْفَ بِمَا كَانَ ظَاهِرًا جَلِيًّا. قَوْلُهُ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي النِّسَاءِ، وَصِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوَّامِينَ تُفِيدُ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَقُومُوا بِهَا أَتَمَّ قِيَامٍ لِلَّهِ أَيْ لِأَجْلِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ. وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: يَجْرِمَنَّكُمْ مُسْتَوْفًى أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ وَكَتْمِ الشَّهَادَةِ اعْدِلُوا هُوَ أَيِ الْعَدْلُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ اعْدِلُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى الَّتِي أُمِرْتُمْ بِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَيْ أَقْرَبُ لِأَنْ تَتَّقُوا اللَّهَ، أَوْ لِأَنْ تَتَّقُوا النَّارَ. قَوْلُهُ:
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِقَوْلِهِ: وَعَدَ عَلَى مَعْنَى وَعَدَهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَغْفِرَةً، أَوْ وَعَدَهُمْ مَغْفِرَةً فَوَقَعَتِ الْجُمْلَةُ مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ فَأَغْنَتْ عَنْهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «٤» :
وَجَدْنَا الصَّالِحِينَ لَهُمْ جَزَاءُ ... وَجَنَّاتٍ وَعَيْنًا سَلْسَبِيلَا
قَوْلُهُ: أَصْحابُ الْجَحِيمِ أَيْ مُلَابِسُوهَا. قَوْلُهُ: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: اذْكُرُوا أَوْ لِلنِّعْمَةِ أَوْ لِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا مِنْهَا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْ بِأَنْ يَبْسُطُوا. وَقَوْلُهُ: فَكَفَّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: هَمَّ وَسَيَأْتِي بَيَانُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبِهِ يَتَّضِحُ الْمَعْنَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا يعني حين بعث الله النّبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ قَالُوا: آمَنَّا بِالنَّبِيِّ وَالْكِتَابِ وَأَقْرَرْنَا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ مِيثَاقَهُ الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: النِّعَمُ الآلاء، وميثاقه الذي واثقهم بِهِ قَالَ: الَّذِي وَاثَقَ بِهِ بَنِي آدَمَ فِي ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فِي قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ الْآيَةَ.
قَالَ: نَزَلَتْ فِي يَهُودِ خَيْبَرَ، ذَهَبَ إليهم رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِمْ فِي دِيَةٍ فَهَّمُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ نَزَلَ مَنْزِلًا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يستظلّون
(١) . الأعراف: ١٧٢. [.....](٢) . الفتح: ١٠.(٣) . المائدة: ١.(٤) . هو عبد العزيز الكلابي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute