قَالَ: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ. الْأَنْصَارُ: جَمْعُ نَصِيرٍ. وَقَوْلُهُ: إِلَى اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حالا، أي:
متوجها إلى الله، أو ملتجئا إِلَيْهِ، أَوْ ذَاهِبًا إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِلَى: بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ «١» وَقِيلَ الْمَعْنَى: مَنْ أَنْصَارِي فِي السَّبِيلِ إِلَى اللَّهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى: مَنْ يَضُمُّ نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ.
وَالْحَوَارِيُّونَ: جَمْعُ حَوَارِيٍّ، وَحَوَارِيُّ الرَّجُلِ: صَفْوَتُهُ وَخُلَاصَتُهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَوَرِ وَهُوَ الْبَيَاضُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، حَوَّرْتُ الثِّيَابَ بَيَّضْتُهَا. وَالْحَوَارِيُّ مِنَ الطَّعَامِ: مَا حُوِّرَ: أَيْ بُيِّضَ، وَالْحَوَارِيُّ أَيْضًا: النَّاصِرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ» وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ وَقِيلَ: لِخُلُوصِ نِيَّاتِهِمْ وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ خَاصَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وَمَعْنَى أَنْصَارِ اللَّهِ: أَنْصَارُ دِينِهِ وَرُسُلِهِ. وَقَوْلُهُ: آمَنَّا بِاللَّهِ اسْتِئْنَافٌ جَارٍ مَجْرَى الْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ يَبْعَثُ عَلَى النُّصْرَةِ، قَوْلُهُ: وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أَيِ: اشْهَدْ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّا مُخْلِصُونَ لِإِيمَانِنَا مُنْقَادُونَ لِمَا تُرِيدُ مِنَّا. وَمَعْنَى بِما أَنْزَلْتَ: مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كُتُبِهِ. وَالرَّسُولُ: عِيسَى، وَحَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ، أَيِ: اتَّبَعْنَاهُ فِي كُلِّ مَا يَأْتِي بِهِ، فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِرَسُولِكَ بِالرِّسَالَةِ. أَوِ: اكْتُبْنَا مَعَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِأُمَمِهِمْ، وَقِيلَ مَعَ أُمَّةِ محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ. قَوْلُهُ: وَمَكَرُوا أَيِ: الَّذِينَ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ، وَهُمْ كُفَّارُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَكْرُ اللَّهِ: اسْتِدْرَاجُهُ لِلْعِبَادِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَكْرُ اللَّهِ: مُجَازَاتُهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ، فَسُمِّيَ الْجَزَاءُ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ، كقوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ «٢» وَهُوَ خادِعُهُمْ
«٣» وَأَصْلُ الْمَكْرِ فِي اللُّغَةِ: الِاغْتِيَالُ وَالْخَدْعُ: حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ وَقِيلَ: مَكْرُ اللَّهِ هُنَا: إِلْقَاءُ شِبْهِ عِيسَى عَلَى غَيْرِهِ، وَرَفْعُ عِيسَى إِلَيْهِ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أَيْ: أَقْوَاهُمْ مَكْرًا، وَأَنْفَذُهُمْ كَيْدًا، وَأَقْوَاهُمْ عَلَى إِيصَالِ الضَّرَرِ بِمَنْ يُرِيدُ إِيصَالَهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، قَوْلُهُ: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى الْعَامِلُ فِي إِذْ:
مَكَرُوا، أَوْ: قَوْلُهُ: خَيْرُ الْماكِرِينَ أَوْ: فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: وَقَعَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تَقْدِيرُهُ: إِنِّي رَافِعُكَ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْزَالِكَ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: مُتَوَفِّيكَ: قَابِضُكَ. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: مُسْتَوْفِي أَجَلَكَ، وَمَعْنَاهُ: إِنِّي عَاصِمُكَ مِنْ أَنْ يَقْتُلَكَ الْكُفَّارُ، وَمُؤَخِّرٌ أَجَلَكَ إِلَى أَجَلٍ كَتَبْتُهُ لَكَ، وَمُمِيتُكَ حَتْفَ أَنْفِكَ لَا قَتْلًا بِأَيْدِيهِمْ. وَإِنَّمَا احْتَاجَ الْمُفَسِّرُونَ إِلَى تَأْوِيلِ الْوَفَاةِ بِمَا ذُكِرَ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ وَفَاةٍ، كَمَا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ فِي الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ نُزُولُهُ وَقَتْلُهُ الدَّجَّالَ، وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَوَفَّاهُ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَفَاةِ هُنَا: النَّوْمُ، وَمِثْلُهُ:
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ «٤» أَيْ: يُنِيمُكُمْ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرُونَ. قَوْلُهُ: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: من خبث جوارهم بِرَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَبُعْدِهِ عَنْهُمْ. قَوْلُهُ: وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي: الذي اتَّبَعُوا مَا جِئْتَ بِهِ وَهُمْ خُلَّصُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا فِي الْغُلُوِّ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَ مِنْ جَعْلِهِ إِلَهًا، وَمِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السلام، ووصفوه بما يستحقه من دون
(١) . النساء: ٢.(٢) . البقرة: ١٥.(٣) . النساء: ١٤٢.(٤) . الأنعام: ٦٠. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute