هِيَ الْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سِيَاقِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ الْبِضَاعَةُ: هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْمَالِ يُقْصَدُ بِهَا شِرَاءُ شَيْءٍ، يُقَالُ: أَبْضَعْتُ الشَّيْءَ وَاسْتَبْضَعْتُهُ إِذَا جَعَلْتَهُ بِضَاعَةً، وَفِي الْمَثَلِ «كَمُسْتَبْضِعِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ» «١» وَالْإِزْجَاءُ: السَّوْقُ بِدَفْعٍ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْإِزْجَاءُ فِي اللُّغَةِ السَّوْقُ وَالدَّفْعُ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً «٢» ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا بِضَاعَةٌ تُدْفَعُ وَلَا يَقْبَلُهَا التُّجَّارُ. قَالَ ثَعْلَبٌ:
الْبِضَاعَةُ الْمُزْجَاةُ: النَّاقِصَةُ غَيْرُ التَّامَّةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا قِيلَ لِلدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ مُزْجَاةٌ لِأَنَّهَا مَرْدُودَةٌ مَدْفُوعَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.
وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْبِضَاعَةِ مَا هِيَ؟ فَقِيلَ: كَانَتْ قَدِيدًا وَحَيْسًا «٣» ، وَقِيلَ: صُوفٌ وَسَمْنٌ، وَقِيلَ: الْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ وَالصَّنَوْبَرُ، وَقِيلَ: دَرَاهِمُ رَدِيئَةٌ، وَقِيلَ: النِّعَالُ وَالْأُدْمُ. ثُمَّ طَلَبُوا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرُوهُ بِالْبِضَاعَةِ الَّتِي مَعَهُمْ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمُ الْكَيْلَ، أَيْ: يَجْعَلَهُ تَامًّا لَا نَقْصَ فِيهِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِمَّا بِزِيَادَةٍ يَزِيدُهَا لَهُمْ عَلَى مَا يُقَابِلُ بِضَاعَتَهُمْ، أَوْ بِالْإِغْمَاضِ عَنْ رَدَاءَةِ الْبِضَاعَةِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا، وَأَنْ يَجْعَلَهَا كَالْبِضَاعَةِ الْجَيِّدَةِ فِي إِيفَاءِ الْكَيْلِ لَهُمْ بِهَا، وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَقَدْ قِيلَ: كَيْفَ يَطْلُبُونَ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَنْبِيَاءُ وَالصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ وَأُجِيبَ بِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِنَبِيِّنَا محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ بِمَا يَجْعَلُهُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ الْأُخْرَوِيِّ، أَوِ التَّوْسِيعِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً قَالَ: يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَرُوبِيلَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يُوسُفَ وأخيه وكبيرهم الذي تخلف. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ قَالَ: يَا حُزْنًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عن قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجُوا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَا جَزَعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَهُوَ كَظِيمٌ قَالَ: حَزِينٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وأبو الشيخ عن قَتَادَةَ قَالَ: كَظَمَ عَلَى الْحُزْنِ فَلَمْ يَقُلْ إِلَّا خَيْرًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ الخراساني قَالَ: كَظِيمٌ مَكْرُوبٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم وأبو الشيخ عن الضَّحَّاكِ قَالَ: الْكَظِيمُ الْكَمِدُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ قَالَ: لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً قَالَ:
دَنِفًا مِنَ الْمَرَضِ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ قَالَ: الْمَيِّتِينَ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ في قوله: تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ قَالَ: لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً قَالَ: هَرِمًا، أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ قال: أبو تَمُوتَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً قَالَ: الْحَرَضُ: البالي،
(١) . هجر: مدينة بالبحرين. [.....](٢) . النور: ٤٣.(٣) . الحيس: طعام يتخذ من التمر والسمن واللبن المجفف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute