قال الإمام أحمد (١): حدثنا علي بن هاشم، عن حميد، عن أنس ﵁، قال:
استشار النبي ﷺ الناس في الأسارى يوم بدر، فقال «إن الله قد أمكنكم منهم» فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي ﷺ، ثم عاد رسول الله ﷺ فقال:«يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس» فقام عمر فقال:
يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي ﷺ، ثم عاد النبي ﷺ فقال: للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق ﵁، فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء، قال فذهب عن وجه رسول الله ﷺ ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، قال وأنزل الله ﷿ ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ وقد سبق في أول السورة حديث ابن عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك.
وقال الأعمش: عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر، قال رسول الله ﷺ:«ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر «يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله أنت في واد كثير الحطب، أضرم الوادي عليهم نارا، ثم ألقهم فيه، قال فسكت رسول الله ﷺ فلم يرد عليهم شيئا، ثم قام فدخل، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة.
ثم خرج عليهم رسول الله ﷺ فقال: «إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ﵇، قال ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ﵇، قال ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨] وإن مثلك يا عمر، كمثل موسى ﵇، قال ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس:٨٨] وإن مثلك يا عمر، كمثل نوح ﵇، قال ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً﴾ [نوح: ٢٦] أنتم عالة فلا ينفكن أحد منهم إلا بفداء، أو ضربة عنق» قال ابن مسعود:
قلت: يا رسول الله إلا سهيل ابن بيضاء، فإنه يذكر الإسلام، فسكت رسول الله ﷺ فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله ﷺ:
«إلا سهيل ابن بيضاء» فأنزل الله ﷿ ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى﴾ إلى آخر الآية (٢)،
(١) المسند ٣/ ٢٤٣. (٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٨، باب ٦، وأحمد في المسند ١/ ٣٨٣، ٣٨٤، والطبري في تفسيره ٦/ ٢٨٧.