بين قلوب عبادك المؤمنين. الثالثة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم ذهب بي جبريل إلى سدرة المنتهى وهي شجرة فوق السماء السابعة، في أقصى الجنة تنتهي إليها الملائكة بأعمال أهل الأرض السعداء وإليها تنزل الأحكام الشرعية، والأنوار الرحمانية، وإذا ورقها كآذان الفيلة (أي في الشكل لا في السعة واللون) لأن الواحدة منها تظل الخلق وثمرها كالقلال (جمع قله وهي الحجرة الكبيرة) أو القربة التي تسع ثلاثا وثمانين حقّه، وقد أمّ تحتها رسول الله صلّى الله عليه وسلم الملائكة، فكان إمام الأنبياء في بيت المقدس في الأرض وإمام الملائكة في سدرة المنتهى في السماء، فظهر فضله على أهل السموات وأهل الأرض كلهم، قال صلّى الله عليه وسلم ورأيت يخرج من أعلى السدرة أربعة أنهار: نهر من لبن، ونهر من خمر، ونهر من عسل، ونهر يسمى نهر الرحمة، ورأيت نهر الكوثر أيضا يخرج من أصلها. الرابعة والخمسون: قال صلّى الله عليه وسلم ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ أي قباب الدّر وإذا ترابها المسك، ورمانها كالدلاء، وطيرها كالبخت (أي الإبل ذات السنامين) فمشيت حتى انتهيت الى الكوثر، فإذا فيه آنية الذهب والفضة، فشربت منه فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك وأبيض من الثلج، وإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مما أعده الله تعالى لأهل طاعته وقربه. الخامسة والخمسون:
قال صلّى الله عليه وسلم ثم نظرت إلى السدرة وقد غشيها ما غشيها من نور الحضرة الإلهية أي شيء عظيم أظلها فصار لها من الحسن غير تلك الحالة، فما أحد يستطيع أن ينعتها من حسنها ولا يصف ما فيها إلا الذي أبدعها، ورأيت جبريل عند تلك السدرة على الصورة التي خلقه الله عليه له ستمائة جناح، قد سدّ الأفق ما بين المشرق والمغرب يتناثر من أجنحته الدر والياقوت كهيئته حين رآه في الأرض عدا الدر والياقوت الذي يتناثر منه في الجنة. راجع الآية ٢٣ من سورة التكوير المارة وقد تأخر عني فقلت له يا جبريل في مثل هذا المقام يترك الخليل خليله فقال هذا حدّي لو تجاوزت لأحرقت بالنور وتلا (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) الآية ١٦ من سورة الصافات في ج ٢، واعلم أن جبريل عليه السّلام تلا هذه الآية وقبلها تلا آية ٤٢ من الأنفال، قبل أن تنزلا على حضرة الرسول، لأنه نزل بالقرآن كله إلى بيت