قَوْلِهِ: وَحُلُّوا، وسَقاهُمْ، وَإِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً، وَفَكُّ الضَّمَائِرِ يَجْعَلُ هَذَا كَذَا وَذَاكَ كَذَا مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ وَالِاضْطِرَارِ إِلَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا جَعْلُهُ حَالًا مِنْ مَحْذُوفٍ وَتَقْدِيرُهُ أَهْلُ نَعِيمٍ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى ادِّعَاءِ الْحَذْفِ مَعَ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَبَرَاعَتِهِ دُونَ تَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وثياب مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بِالْحَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ فِي النَّصْبِ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الظَّرْفِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى فَوْقَهُمْ. انْتَهَى. وَعَالٍ وَعَالِيَةٌ اسْمُ فَاعِلٍ، فَيَحْتَاجُ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِمَا ظَرْفَيْنِ إِلَى أَنْ يَكُونَ مُنْقُولًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَالِيَكَ أَوْ عَالِيَتُكَ ثَوْبٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: ثِيَابُ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ عَلَى الْإِضَافَةِ إِلَى سندس.
وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ: عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ سُنْدُسٌ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ، بِرَفْعِ الثَّلَاثَةِ، بِرَفْعِ سُنْدُسٍ بِالصِّفَةِ لِأَنَّهُ جِنْسٌ، كَمَا تَقُولُ: ثَوْبٌ حَرِيرٌ، تُرِيدُ مِنْ حَرِيرٍ وَبِرَفْعِ خُضْرٌ بِالصِّفَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْخُضْرَةَ لَوْنُهَا وَرُفِعَ إِسْتَبْرَقٍ بِالْعَطْفِ عَلَيْهَا، وَهُوَ صِفَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ تَقْدِيرُهُ: وَثِيَابٌ إِسْتَبْرَقٌ، أَيْ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ: خُضْرٌ بِرَفْعِهِمَا. وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ ونافع فِي رِوَايَةٍ: خُضْرٌ بِالرَّفْعِ صفة لثياب، وإستبرق جُرَّ عَطْفًا عَلَى سُنْدُسٍ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ: بِجَرِّ خُضْرٍ صِفَةً لِسُنْدُسٍ، وَرَفْعِ إِسْتَبْرَقٍ عَطْفًا عَلَى ثِيَابٍ.
وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَالْحَسَنُ وَأَبُو عَمْرٍو: بِخِلَافٍ عَنْهُمَا وحمزة وَالْكِسَائِيُّ: وَوَصْفُ اسْمِ الْجِنْسِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ تَاءُ التَّأْنِيثِ، وَالْجَمْعُ جَائِزٌ فَصِيحٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ «١» ، وَقَالَ: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ»
، فَجَعَلَ الْحَالَ جَمْعًا، وَإِذَا كَانُوا قَدْ جَمَعُوا صِفَةَ اسْمِ الْجِنْسِ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ تَاءُ التَّأْنِيثِ الْمَحْكِيِّ بِأَلْ بِالْجَمْعِ، كَقَوْلِهِمْ: أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَارُ الصُّفْرُ وَالدِّرْهَمُ الْبِيضُ، حَيْثُ جَمْعُ وَصْفِهِمَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ أَوْرَدَهُ النُّحَاةُ مَوْرِدَ الْجَوَازِ بِلَا قُبْحٍ.
وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: وَإِسْتَبْرَقٌ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْكَهْفِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هنا وقرىء وإستبرق نَصْبًا فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ عَلَى مَنْعِ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ يَدْخُلُهُ حَرْفُ التَّعْرِيفِ، تَقُولُ: الْإِسْتَبْرَقُ إِلَّا أَنْ يَزْعُمَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ أَنَّهُ قَدْ يُجْعَلُ عَلَمًا لِهَذَا الضرب من الثياب. وقرىء: وَاسْتَبْرَقَ، بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَالْفَتْحِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى بِاسْتَفْعَلَ مِنَ الْبَرِيقِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُعَرَّبٌ مَشْهُورٌ تَعْرِيبُهُ، وَأَنَّ أَصْلَهُ إِسْتَبْرَهْ. انْتَهَى. وَدَلَّ قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَزْعُمَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، وقوله: بعد وقرىء وإستبرق بوصل
(١) سورة الرعد: ١٣/ ١٢.(٢) سورة ق: ٥٠/ ١٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute