وَلَكِنَّ الْمَعْطُوفَ مُقَارِنٌ فِي التقدير للواو، فناقض لِأَنَّهُ فِي هَذَا جَعَلَهُ مُقَارِنًا فِي التَّقْدِيرِ لِلْوَاوِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ رَفَعَهُ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ الرَّافِعِ لِلْوَاوِ وهو وليق، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي فَتْحِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: وَقُودُهَا وَضَمِّهَا فِي الْبَقَرَةِ. وَتَفْسِيرُ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ فِي الْبَقَرَةِ عَلَيْها مَلائِكَةٌ: هِيَ الزَّبَانِيَةُ التِسْعَةَ عَشَرَ وَأَعْوَانُهُمْ. وَوَصَفَهُمْ بِالْغِلَظِ، إِمَّا لِشِدَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَقُوَّتِهَا، وَإِمَّا لِفَظَاظَتِهِمْ لِقَوْلِهِ: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ «١» ، أَيْ لَيْسَ فِيهِمْ رِقَّةٌ وَلَا حِنَّةٌ عَلَى الْعُصَاةِ. وَانْتَصَبَ مَا أَمَرَهُمْ عَلَى الْبَدَلِ، أَيْ لَا يَعْصُونَ أَمْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي «٢» ، أَوْ عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ. أَيْ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. قِيلَ: كَرَّرَ الْمَعْنَى تَوْكِيدًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ الْجُمْلَتَانِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ؟ قُلْتُ: لَا فَإِنَّ مَعْنَى الْأُولَى: أَنَّهُمْ يَتَقَبَّلُونَ أَوَامِرَهُ وَيَلْتَزِمُونَهَا وَلَا يَأْبَوْنَهَا وَلَا يُنْكِرُونَهَا، ومعنى الثانية: أنهم يودون مَا يُؤْمَرُونَ، لَا يَتَثَاقَلُونَ عَنْهُ وَلَا يَتَوَانُونَ فِيهِ.
لَا تَعْتَذِرُوا: خِطَابٌ لَهُمْ عند دخولهم المنار، لِأَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُهُمُ الِاعْتِذَارُ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ.
ذَكَرُوا فِي النَّصُوحِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ قَوْلًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ وَمُعَاذٍ
أَنَّهَا الَّتِي لَا عَوْدَةَ بَعْدَهَا، كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ، وَرَفَعَهُ مُعَاذٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نَصُوحاً بِفَتْحِ النُّونِ، وَصْفًا لِتَوْبَةٍ، وَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ، كَضَرُوبٍ وَقَتُولٍ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَعِيسَى وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وخارجة عَنْ نَافِعٍ: بِضَمِّهَا، هُوَ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، وَوَصَفَهَا بِالنُّصْحِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، إِذْ النُّصْحُ صِفَةُ التَّائِبِ، وَهُوَ أَنْ يَنْصَحَ نَفْسَهُ بِالتَّوْبَةِ، فَيَأْتِي بِهَا عَلَى طَرِيقِهَا، وَهِيَ خُلُوصُهَا مِنْ جَمِيعِ الشَّوَائِبِ الْمُفْسِدَةِ لَهَا، من
(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٥٩.(٢) سورة طه: ٢٠/ ٩٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute