أَيِ اغْتِرَارًا بَيِّنًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا؟ قُلْتُ أَصْلُهُ نَظُنُّ ظَنًّا، وَمَعْنَاهُ إِثْبَاتُ الظَّنِّ مَعَ نَفْيِ مَا سِوَاهُ، وَزَيْدٌ نَفَى مَا سِوَى الظَّنِّ تَوْكِيدًا بِقَوْلِهِ:
وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ. انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِالْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ، مِنْ أَنَّ التَّفْرِيغَ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْمَعْمُولَاتِ مِنْ فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ وَغَيْرِهِ، إِلَّا الْمَصْدَرَ الْمُؤَكَّدَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ. وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا أَنَّكُمْ تَظُنُّونَ ظَنًّا، قَالَ: وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ: مَا ضَرَبْتُ إِلَّا ضَرْبًا، فَاهْتَدَى إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ، وَأَخْطَأَ فِي التَّخْرِيجِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الْمُبَرِّدِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ. وَقَوْلُهُمْ: إِنْ نَظُنُّ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ أَخْبَرُوا بِأَنَّهُمْ ظَنُّوا الْبَعْثَ وَاقَعًا، وَدَلَّ قَوْلُهُمْ قَبْلَ قَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا «١» ، عَلَى أَنَّهُمْ مُنْكِرُونَ الْبَعْثَ، فَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فِرْقَتَانِ، أَوِ اضْطَرَبُوا، فَتَارَةً أَنْكَرُوا، وَتَارَةً ظَنُّوا، وَقَالُوا: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا عَلَى سَبِيلِ الْهُزْءِ.
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا: أَيْ قَبَائِحُ أَعْمَالِهِمْ، أَوْ عُقُوبَاتُ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَأَطْلَقَ عَلَى الْعُقُوبَةِ سَيِّئَةً، كَمَا قَالَ: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «٢» . وَحاقَ بِهِمْ أَيْ أَحَاطَ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ حَاقَ إِلَّا فِي الْمَكْرُوهِ. نَنْساكُمْ: نَتْرُكُكُمْ فِي الْعَذَابِ، أَوْ نَجْعَلُكُمْ كَالشَّيْءِ الْمَنْسِيِّ الْمُلْقَى غير المبالى بهم. كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ: أَيْ لِقَاءَ جَزَاءِ اللَّهِ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، وَلَمْ تُخْطِرُوهُ عَلَى بَالٍ بَعْدَ مَا ذُكِّرْتُمْ بِهِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِوُقُوعِهِ. وَأَضَافَ اللِّقَاءَ لِلْيَوْمِ تَوَسُّعًا كَقَوْلِهِ: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «٣» . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَا يُخْرَجُونَ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَالْحَسَنُ، وَابْنُ وَثَّابٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. مِنْها: أَيْ مِنَ النَّارِ. وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أَيْ بِطَلَبِ مُرَاجَعَةٍ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الِاسْتِعْتَابِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: رَبِّ، بِالْجَرِّ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الصِّفَةِ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ:
بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى إِضْمَارِ هُوَ.
(١) سُورَةُ المؤمنون: ٢٣/ ٣٧.(٢) سورة الشورى: ٤٢/ ٤٠.(٣) سورة سبأ: ٣٤/ ٣٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute