تَعَالَى: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ «١» ، وَقَوْلُهُ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ «٢» ، وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ «٣» . انْتَهَى. وَيَبْعُدُ تَقْدِيرُهُ لِيَنْتَقِمَ مِنْهَا، لِأَنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَى الشَّرْطِ إِهْلَاكُ قَوْمٍ، فَلَا يَحْسُنُ لِيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ. وَأَمَّا الْآيَتَانِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ، وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ. فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَكَثِيرًا مَا يُقَدَّرُ هَذَا الْفِعْلُ مَحْذُوفًا قَبْلَ لَامِ الْعِلَّةِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِعْلٌ ظَاهِرٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ.
وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيَعْلَمَ قرىء بِالْجَزْمِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ الْمَعْنَى عَلَى جَزْمِ وَيَعْلَمَ؟ قُلْتُ: كَأَنَّهُ قَالَ: أَوْ إِنْ يَشَأْ يَجْمَعُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: هَلَاكِ قَوْمٍ، وَنَجَاةِ قَوْمٍ، وَتَحْذِيرِ آخَرِينَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ يَتَضَمَّنُ تَحْذِيرَهُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهُ، وَمَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّ يَعْلَمَ مُعَلَّقَةٌ، كَقَوْلِكَ: عَلِمْتُ مَا زَيْدٌ قَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ، وَهَذِهِ الْوَاوُ وَنَحْوُهَا الَّتِي تُسَمِّيهَا الْكُوفِيُّونَ وَاوَ الصَّرْفِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ وَاوِ الصَّرْفِ الَّتِي يُرِيدُونَهَا عَطْفُ فِعْلٍ عَلَى اسْمٍ مُقَدَّرٍ، فَيُقَدَّرُ أَنْ لِيَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، فَيَحْسُنُ عَطْفُهُ عَلَى الِاسْمِ. انْتَهَى. وَلَيْسَ قَوْلُهُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِمْ وَاوُ الصَّرْفِ، إِنَّمَا هُوَ تَقْرِيرٌ لِمَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ.
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَإِنَّ وَاوَ الصَّرْفِ نَاصِبَةٌ بِنَفْسِهَا، لَا بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى الصَّرْفِ كَالَّذِي فِي آلِ عِمْرَانَ: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «٤» ، وَمَعْنَى الصَّرْفِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى جِهَةٍ، فَصُرِفَ إِلَى غَيْرِهَا، فَتَغَيَّرَ الْإِعْرَابُ لِأَجْلِ الصَّرْفِ.
وَالْعَطْفُ لَا يُعَيِّنُ الِاقْتِرَانَ فِي الْوُجُودِ، كَالْعَطْفِ فِي الِاسْمِ، نَحْوُ: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو. وَلَوْ نُصِبَ وَعَمْرُو اقْتَضَى الِاقْتِرَانَ وَكَذَلِكَ وَاوُ الصَّرْفِ، لِيُفِيدَ مَعْنَى الِاقْتِرَانِ وَيُعَيِّنَ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ، وَلِذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَى النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ: وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، أَيْ وَيَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ وَالصَّابِرِينَ مَعًا.
عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اجْتَمَعَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَالٌ، فَتَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْخَيْرِ، فَلَامَهُ الْمُسْلِمُونَ وَخَطَّأَهُ الْكَافِرُونَ، فَنَزَلَتْ: فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّاسِ. وَقِيلَ: لِلْمُشْرِكِينَ، وَمَا شرطية مفعول ثان لأوتيتم، ومن شَيْءٍ بَيَانٌ لِمَا، وَالْمَعْنَى: مِنْ شَيْءٍ مِنْ رِيَاشِ الدُّنْيَا وَمَالِهَا وَالسَّعَةِ فِيهَا، وَالْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ، أَيْ فَهُوَ مَتَاعٌ، أَيْ يُسْتَمْتَعُ فِي الْحَيَاةِ. وَما عِنْدَ اللَّهِ: أَيْ مِنْ ثَوَابِهِ وما أعد لأوليائه،
(١) سورة مريم: ١٩/ ٢١.(٢) سورة العنكبوت: ٢٩/ ٤٤. [.....](٣) سورة الجاثية: ٤٥/ ٢٢.(٤) سورة آل عمران: ٣/ ١٤٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute