صِدْقِ خَالِقٍ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ، بِخِلَافِ كَوْنِهِ صِفَةً، فَإِنَّ الصِّفَةَ تُقَيِّدُ، فَيَكُونُ ثَمَّ خَالِقٌ غَيْرُ اللَّهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِرَازِقٍ. وَمَعْنَى مِنَ السَّماءِ: بِالْمَطَرِ، وَالْأَرْضِ: بِالنَّبَاتِ، لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ: جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ. فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ: أَيْ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ إِلَى الشِّرْكِ، وَأَنْ يُكَذِّبُوكَ إِلَى الْأُمُورِ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ: شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا وَعَدَ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ وغير ذلك. وقرأ الجمهور: الْغَرُورُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالشَّيْطَانِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ، وَأَبُو السَّمَّالِ: بِضَمِّهَا جَمْعَ غَارٍ، أَوْ مَصْدَرًا، كَقَوْلِهِ: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ «١» ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ لُقْمَانَ. إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ: عَدَاوَتُهُ سَبَقَتْ لِأَبِينَا آدَمَ، وَأَيُّ عَدَاوَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي بَنِيهِ: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «٢» ، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ «٣» ؟ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا: أَيْ بِالْمُقَاطَعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ بِاتِّبَاعِ الشَّرْعِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَقْصُودَهُ فِي دُعَاءِ حِزْبِهِ إِنَّمَا هُوَ تَعْذِيبُهُمْ فِي النَّارِ، يَشْتَرِكُ هُوَ وَهُمْ فِي الْعَذَابِ، فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْحِرْصِ حَتَّى يُبَيِّنَ صِدْقَ قَوْلِهِ فِي: وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِيمَا يَسُوءُ مِمَّا قَدْ يَتَسَلَّى بِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ بِالْعَذَابِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرِيقَيْنِ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمَا مِنَ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ.
وَبَدَأَ بِالْكُفَّارِ لِمُجَاوِرَةِ قَوْلِهِ: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ، فَأَتْبَعَ خَبَرَ الْكَافِرِ بِحَالِهِ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّامُ فِي لِيَكُونَ لَامُ الصَّيْرُورَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُهُمْ إِلَى السَّعِيرِ، إِنَّمَا اتَّفَقَ أَنْ صَارَ أَمْرُهُمْ عَنْ دُعَائِهِ إِلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. وَنَقُولُ: هُوَ مِمَّا عُبِّرَ فِيهِ عَنِ السَّبَبِ بِمَا تَسَبَّبَ عَنْهُ دُعَاؤُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَتَسَبَّبَ عنه العذاب. والَّذِينَ كَفَرُوا، وَالَّذِينَ آمَنُوا. مُبْتَدَآنِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بَدَلًا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ، أَوْ صِفَةً، وَفِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلًا مِنْ حِزْبَهُ، وَفِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنَ ضَمِيرِ لِيَكُونُوا، وَهَذَا كُلُّهُ بِمَعْزِلٍ مِنْ فَصَاحَةِ التَّقْسِيمِ وَجَزَالَةِ التَّرْكِيبِ.
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً: أَيْ فَرَأَى سُوءَ عَمَلِهِ حَسَنًا، وَمَنْ مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ. فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: كَمَنْ لَمْ يُزَيَّنْ لَهُ، كَقَوْلِهِ:
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ «٤» ، أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى «٥» ، أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ «٦» ، ثُمَّ قَالَ: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي
(١) سورة الأعراف: ٧/ ٢٢.(٢) سورة الحجر: ١٥/ ٣٩.(٣) سورة النساء: ٤/ ١١٩.(٤) سورة محمد: ٤٧/ ١٤.(٥) سورة الرعد: ١٣/ ١٩.(٦) سورة الأنعام: ٦/ ١٢٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute