عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الرَّحْمَةُ. انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ، كَأَنَّهُمْ فَاعِلُونَ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الصَّلَاتَيْنِ اشْتَرَكَتَا فِي قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ أَوْلَى.
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ: أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. سَلامٌ: أَيْ تَحِيَّةُ اللَّهِ لَهُمْ. يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، مَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ أَرْضَوْنِي بِاتِّبَاعِ أَمْرِي، قَالَهُ الرَّقَاشِيُّ.
وَقِيلَ: يُحَيِّيهِمُ الْمَلَائِكَةُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَا يَقْبِضُ رُوحَ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ قَالَ: رَبُّكَ يُقْرِؤُكَ السَّلَامَ، قِيلَ: فَعَلَى هَذَا الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: يَلْقَوْنَهُ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَقِيلَ: سَلَامُ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الْقُبُورِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَوْمَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ، أَيْ سَلِمْنَا وَسَلِمْتَ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ. وَقِيلَ:
تُحَيِّيهِمُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ. وَقِيلَ: هُوَ سَلَامُ مَلَكِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةِ مَعَهُ عَلَيْهِمْ، وَبِشَارَتُهُمْ بِالْجَنَّةِ. وَالتَّحِيَّةُ مَصْدَرٌ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ، إِلَّا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمُحَيِّي وَالْمُحَيَّا، لَا عَلَى جِهَةِ الْعَمَلِ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فَاعِلًا مَفْعُولًا، وَلَكِنَّهُ كَقَوْلِهِ: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ «١» : أَيْ لِلْحُكْمِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمْ، وَلِيَبْعَثَ إِلَيْهِمْ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ الْجَارِيَةُ بَيْنَهُمْ هِيَ سَلَامٌ. وَفَرَّقَ الْمُبَرِّدُ بَيْنَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ فَقَالَ: التَّحِيَّةُ يَكُونُ ذَلِكَ دُعَاءً، وَالسَّلَامُ مَخْصُوصٌ، وَمِنْهُ: وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً «٢» . وَالْأَجْرُ الْكَرِيمُ: الْجَنَّةُ، شاهِداً عَلَى مَنْ بُعِثْتَ إِلَيْهِمْ، وَعَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ، أَيْ مَفْعُولًا قَوْلُكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَشَاهِدًا بِالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ، وَبِتَبْلِيغِ الْأَنْبِيَاءِ قَوْلَكَ.
وَانْتَصَبَ شاهِداً عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، إِذَا كَانَ قَوْلُكَ عِنْدَ اللَّهِ وَقْتَ الْإِرْسَالِ لَمْ يَكُنْ شَاهِدًا عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَكُونُ شَاهِدًا عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَعِنْدَ أَدَائِهَا، أَوْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ زَمَانِ الْبَعْثَةِ، وَإِيمَانُ مَنْ آمَنَ وَتَكْذِيبُ مَنْ كَذَّبَ كَانَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ.
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ عِيسَى: إِلَى الطَّاعَةِ. بِإِذْنِهِ: أَيْ بِتَسْهِيلِهِ وَتَيْسِيرِهِ، وَلَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْإِذْنِ، لِأَنَّهُ قَدْ فُهِمَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ دَاعِيًا أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الدُّعَاءِ. وَلَمَّا كَانَ دُعَاءُ الْمُشْرِكِ إِلَى التَّوْحِيدِ صَعْبًا جِدًّا، قِيلَ: بِإِذْنِهِ، أَيْ بتسهيله تعالى. وسِراجاً مُنِيراً: جَلَّى مِنْ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ، وَاهْتَدَى بِهِ الضَّالُّونَ، كَمَا يُجَلَّى ظَلَامُ اللَّيْلِ بِالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ. وَيُهْتَدَى بِهِ إِذَا مَدَّ اللَّهُ بِنُورِ نبوته نور
(١) سورة الأنبياء: ٢١/ ٧٨.(٢) سورة الفرقان: ٢٥/ ٧٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute