الْإِيمَانِ، أَيْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ بَعْدَ مَا وَضَحَ لَهُمْ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا كِتَابُكَ الَّذِي أُنْزِلَ، أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ: فَأْتُوا بِكِتابٍ، هُوَ الدُّعَاءَ إِذْ هُوَ طَلَبٌ مِنْهُمْ وَدُعَاءٌ لَهُمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيبُونَ لِأَنْ يَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا اتِّبَاعُ هَوًى مُجَرَّدٍ، لَا اتِّبَاعَ دَلِيلٍ. وَاسْتَجَابَ: بِمَعْنَى أَجَابَ، وَيُعَدَّى لِلدَّاعِي بِاللَّامِ وَدُونِهَا، كَمَا قَالَ: فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ «١» ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى «٢» ، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ «٣» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبٌ فَعَدَّاهُ بِغَيْرِ لَامٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذَا الْفِعْلُ يَتَعَدَّى إِلَى الدُّعَاءِ وَإِلَى الدَّاعِي بِاللَّامِ، وَيُحْذَفُ الدُّعَاءُ إِذَا عُدِّيَ إِلَى الدَّاعِي فِي الْغَالِبِ، فَيُقَالُ: اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، وَاسْتَجَابَ لَهُ، فَلَا يَكَادُ يُقَالُ اسْتَجَابَ لَهُ دُعَاءَهُ. وَأَمَّا الْبَيْتُ فَمَعْنَاهُ: فَلَمْ يَسْتَجِبْ دُعَاءً، عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ. انْتَهَى. وَمَنْ أَضَلُّ: أَيْ لَا أحد أضل، وبِغَيْرِ هُدىً: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَهَذَا الْحَالُ قَيْدٌ فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّبِعُ الْإِنْسَانُ مَا يَهْوَاهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي يَهْوَاهُ فِيهِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، لِأَنَّ الْأَهْوَاءَ كُلَّهَا تَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَكُونُ فِيهِ هُدًى وَمَا لَا يَكُونُ فِيهِ هُدًى، فَلِذَلِكَ قُيِّدَ بِهَذِهِ الْحَالِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي مَخْذُولًا مُخْلًى بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَوَاهُ. انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِزَالِ.
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ، أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ، إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَصَّلْنا، مُشَدَّدُ الصَّادِ وَالْحَسَنُ: بِتَخْفِيفِهَا، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ لِقُرَيْشٍ. وَقَالَ رِفَاعَةُ الْقُرَظِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الْيَهُودِ، أَنَا أَحَدُهُمْ. قَالَ الْجُمْهُورُ:
وَصَّلْنَا: تَابَعْنَا الْقُرْآنَ مَوْصُولًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فِي الْمَوَاعِظِ وَالزَّجْرِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الإسلام. وقال
(١) سورة يوسف: ١٢/ ٣٤.(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٩٠.(٣) سورة هود: ١١/ ١٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute