الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ، وَبِعَبْدِهِ مَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ فَيَكُونَ اسْمَ جِنْسٍ كَقَوْلِهِ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها «١» وَالضَّمِيرُ فِي لِيَكُونَ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عَائِدٌ عَلَى عَبْدِهِ وَيَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ الْعُمْدَةُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ وَهُوَ مِنْ وَصْفِهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ «٢» . وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَذِيراً بِمَعْنَى مُنْذِرٍ. وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى لإنذار كَالنَّكِيرِ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، وَمِنْهُ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ «٣» . ولِلْعالَمِينَ عَامٌّ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، مِمَّنْ عَاصَرَهُ أَوْ جَاءَ بَعْدَهُ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ وَظَوَاهِرِ الْآيَاتِ. وَقَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِلْعالَمِينَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْعالَمِينَ.
وَلَمَّا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ السُّورَةِ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا في السموات وَالْأَرْضِ فَكَانَ إِخْبَارًا بِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِلْكٌ لَهُ، أَخْبَرَ هُنَا أَنَّهُ لَهُ مُلْكُهُمَا أَيْ قَهْرُهُمَا وَقَهْرُ مَا فِيهِمَا، فَاجْتَمَعَ لَهُ الْمِلْكُ وَالْمُلْكُ لَهُمَا. وَلِمَا فيهما، والذي مَقْطُوعٌ لِلْمَدْحِ رَفْعًا أَوْ نَصْبًا أَوْ نَعْتٌ أَوْ بد مِنَ الَّذِي نَزَّلَ وَمَا بَعْدَ نَزَّلَ مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا بَيْنَ النَّعْتِ أَوِ الْبَدَلِ وَمَتْبُوعِهِ.
وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الظَّاهِرُ نُفْيُ الِاتِّخَاذِ أَيْ لَمْ يُنْزِلْ أَحَدًا مَنْزِلَةَ الْوَلَدِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ بِمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَلِدْ لِأَنَّ التَّوَالُدَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ. وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَعَلَى النَّصَارَى وَالْيَهُودِ النَّاسِبِينَ لِلَّهِ الْوَلَدَ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا.
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ عَامٌّ فِي خَلْقِ الذَّوَاتِ وَأَفْعَالِهَا. قِيلَ: وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا يَصِحُّ خَلْقُهُ لِتَخْرُجَ عَنْهُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ الْقَدِيمَةُ انْتَهَى. وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: أَكْرَمْتُ كُلَّ رَجُلٍ لَا يَدْخُلُ هُوَ فِي الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ذَاتُهُ تَعَالَى وَلَا صِفَاتُهُ الْقَدِيمَةُ. فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً إِنْ كَانَ الْخَلْقُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، فَكَيْفَ جَاءَ فَقَدَّرَهُ إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ يُقَدِّرُهُ تَقْدِيراً.
فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحْدَثَ كُلَّ شَيْءٍ إِحْدَاثًا مُرَاعًى فِيهِ التَّقْدِيرُ وَالتَّسْوِيَةُ فَقَدَّرَهُ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، أَوْ سُمِّيَ إِحْدَاثُ اللَّهِ خَلْقًا لِأَنَّهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئًا لِحِكْمَتِهِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ. فَإِذَا قِيلَ: خَلَقَ اللَّهُ كَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إِحْدَاثِ اللَّهِ وَأَوْجَدَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِ الِاشْتِقَاقِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَأَوْجَدَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ فِي إِيجَادِهِ مُتَفَاوِتًا. وَقِيلَ: فَجَعَلَ له
(١) سورة إبراهيم: ١٤/ ٣٤.(٢) سورة الدخان: ٤٤/ ٣.(٣) سورة القمر: ٥٤/ ١٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute