وَقَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ جَعَلَهَا مِلَّةَ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: نَصَبَ الْمِلَّةَ بِمَضْمُونِ مَا تَقَدَّمَهَا كَأَنَّهُ قِيلَ وَسَّعَ دِينَكُمْ تَوْسِعَةَ مِلَّةِ أَبِيكُمْ، ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ أَوْ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ أَعْنِي بِالدِّينِ مِلَّةَ أَبِيكُمْ كَقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمِيدَ، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ: اتِّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْكَافِ، كَأَنَّهُ قِيلَ كَلِمَةُ أَبِيكُمْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَبِيهِ الرَّسُولِ، وَأُمَّةُ الرَّسُولِ فِي حُكْمِ أَوْلَادِهِ فَصَارَ أَبًا لِأُمَّتِهِ بِهَذِهِ الْوَسَاطَةِ. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ وَلَدِهِ كَالرَّسُولِ وَرَهْطِهِ وَجَمِيعِ الْعَرَبِ طُلِبَ الْأَكْثَرُ فَأُضِيفَ إِلَيْهِمْ. وَجَاءَ قَوْلُهُ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ بِاعْتِبَارِ عِبَادَةِ اللَّهِ وَتَرْكِ الْأَوْثَانِ وَهُوَ الْمَسُوقُ لَهُ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الِاتِّبَاعِ فِي تَفَاصِيلِ الشَّرَائِعِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي هُوَ سَمَّاكُمُ عَائِدٌ عَلَى إِبْراهِيمَ وَهُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ «١» فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فَجَعَلَهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عِلْيَهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ.
وَقِيلَ: يَعُودُ هُوَ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وقتادة ومجاهد والضحاك. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ أَيْ فِي كُلِّ الْكُتُبِ وَفِي هَذَا أَيِ الْقُرْآنِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ اللَّهُ سَمَّاكُمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ وَفِي هَذَا تَضْعِيفُ قَوْلِ مَنْ قَالَ الضَّمِيرُ لإبراهيم، وَلَا يَتَوَجَّهُ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ مُسْتَأْنَفٍ انْتَهَى. وَتَقْدِيرُ الْمَحْذُوفِ وَسُمِّيتُمْ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْأُمَمِ وَسَمَّاكُمْ بِهَذَا الِاسْمِ.
لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ، وَإِذْ قَدْ خَصَّكُمْ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ وَالْأَثَرَةِ فَاعْبُدُوهُ وَثِقُوا بِهِ وَلَا تَطْلُبُوا النُّصْرَةَ وَالْوِلَايَةَ إِلَّا مِنْهُ فَهُوَ خَيْرُ مَوْلًى وَنَاصِرٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ مَا لَمْ يُعْطَهُ إِلَّا نَبِيٌّ. قِيلَ لِلنَّبِيِّ: أَنْتَ شَهِيدٌ عَلَى أُمَّتِكَ. وَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ عَلَيْكَ حَرَجٌ. وَقِيلَ لَهُ: سَلْ تُعْطَ. وَقِيلَ:
لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَقِيلَ لَهُمْ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَقِيلَ لَهُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «٢» وَاعْتَصِمُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ يَعْصِمَكُمْ مِنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ تَمَسَّكُوا بدين الله.
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٢٨.(٢) سورة غافر: ٤٠/ ٦٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute