وَأَوْرَثْنَاهَا مَعْنَاهَا الْحَالَّةُ مِنَ النِّعْمَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي قُطْرٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنْ أَرْضِ يَثْرِبَ ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُمُ الَّذِينَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ بَوَّأَهُمْ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ذَكَرَ امْتِنَانَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا رَزَقَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَهِيَ: الْمَآكِلُ الْمُسْتَلَذَّاتُ، أَوِ الْحَلَّالُ، فَمَا اخْتَلَفُوا أَيْ: كَانُوا عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَطَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ حَالِهِ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ أَيْ:
عِلْمُ التَّوْرَاةِ فَاخْتَلَفُوا، وَهَذَا ذَمٌّ لَهُمْ. أَيْ أَنَّ سَبَبَ الْإِيقَافِ هُوَ الْعِلْمُ، فَصَارَ عِنْدَهُمْ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ، فَتَشَعَّبُوا شعبا بعد ما قرؤوا التَّوْرَاةَ. وَقِيلَ: الْعِلْمُ بِمَعْنَى المعلوم، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، لِأَنَّ رِسَالَتَهُ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ مَكْتُوبَةً فِي التَّوْرَاةِ، وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ أَيْ:
يَسْتَنْصِرُونَ، وَكَانُوا قَبْلَ مَجِيئِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مُجْمِعِينَ عَلَى نُبُوَّتِهِ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ فِي الْحُرُوبِ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ بِحُرْمَةِ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ انْصُرْنَا فَيُنْصَرُونَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالُوا:
النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ بِهِ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ، وَهَذَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَيْسَ هُوَ ذَاكَ، فَآمَنَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقِيلَ: الْعِلْمُ الْقُرْآنُ، وَاخْتِلَافُهُمْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَلَيْسَ لَنَا إِنَّمَا هُوَ لِلْعَرَبِ. وَصَدَّقَ بِهِ قَوْمٌ فَآمَنُوا، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ تَعَالَى يَقْضِي فِيهِ فِي الْآخِرَةِ فَيُمَيِّزُ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ.
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ: الظَّاهِرُ أَنَّ إِنْ شَرْطِيَّةٌ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ إِنْ نَافِيَةٌ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ مِمَّا كُنْتَ في شك فسئل، يَعْنِي: لَا نَأْمُرُكَ بِالسُّؤَالِ لِأَنَّكَ شَاكٌّ، وَلَكِنْ لِتَزْدَادَ يَقِينًا كَمَا ازْدَادَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمُعَايَنَةِ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى انْتَهَى. وَإِذَا كَانَتْ إِنْ شَرْطِيَّةً فَذَكَرُوا أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُمْكِنِ وَجُودُهُ، أو المحقق وجوده، الْمُبْهَمِ زَمَانُ وُقُوعِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «١» وَالَّذِي أَقُولُهُ: أَنَّ إِنِ الشَّرْطِيَّةَ تَقْتَضِي تَعْلِيقَ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ، وَلَا تَسْتَلْزِمُ تَحَتُّمَ وُقُوعِهِ وَلَا إِمْكَانِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ «٢» وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَكَذَلِكَ هَذَا مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَكُونَ فِي شَكٍّ، وَفِي الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ «٣» أَيْ فافعل. لكنّ
(١) سورة الأنبياء: ٢١/ ٣٤.(٢) سورة الزخرف: ٤٣/ ٨١.(٣) سورة الأنعام: ٦/ ٣٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute