قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ أَيْ سَاجِدِينَ قَائِلِينَ فَقَالُوا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي ساجِدِينَ أَوْ مِنَ السَّحَرَةِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُمْ مُلْتَبِسُونَ بِالسُّجُودِ لِلَّهِ شُكْرًا عَلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْقَوْلِ الْمُنْبِئِ عَنِ التَّصْدِيقِ الَّذِي مَحَلُّهُ الْقُلُوبُ وَلَمَّا كَانَ السجود أعظم القرب إِذْ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ بَادَرُوا بِهِ مُتَلَبِّسِينَ بِالْقَوْلِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الْقَادِرِ عَلَيْهِ إِذِ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَقَالُوا رَبَّ الْعَالَمِينَ وِفَاقًا لِقَوْلِ مُوسَى إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمَّا كَانَ قَدْ يُوهِمُ هَذَا اللَّفْظُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِ فِرْعَوْنَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى نَصُّوا بِالْبَدَلِ عَلَى أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ وَأَنَّهُمْ فَارَقُوا فِرْعَوْنَ وَكَفَرُوا بِرُبُوبِيَّتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ جَمِيعُ السَّحَرَةِ، وَقِيلَ:
بَلْ قَالَهُ رؤساؤهم وسمى بن إِسْحَاقَ مِنْهُمُ الرُّؤَسَاءَ فَقَالَ هُمْ سَابُورُ وَعَازُورُ وَخَطْخَطُ وَمُصَفَّى وَحَكَاهُ ابْنُ مَاكُولَا أَيْضًا، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَكْبُرُهُمْ شمعون وبدأوا بِمُوسَى قَبْلَ هَارُونَ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْ مُوسَى قِيلَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ مُوسَى هُوَ الَّذِي نَاظَرَ فِرْعَوْنَ وَظَهَرَتِ الْمُعْجِزَتَانِ فِي يَدِهِ وَعَصَاهُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَهارُونَ فَاصِلَةٌ وَجَاءَ فِي طه بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى «١» لِأَنَّ مُوسَى فِيهَا فَاصِلَةٌ وَيُحْتَمَلُ وُقُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَتَّبًا مِنْ طَائِفَةٍ وَطَائِفَةٍ فَنَسَبَ فِعْلَ بَعْضٍ إِلَى الْمَجْمُوعِ فِي سُورَةٍ وَبَعْضٍ إِلَى الْمَجْمُوعِ فِي شورة أُخْرَى، قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا كَامِلِينَ فِي عِلْمِ السِّحْرِ عَلِمُوا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى حَقٌّ خَارِجٌ عَنْ جِنْسِ السِّحْرِ وَلَوْلَا الْعِلْمُ لَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ سِحْرٌ وَأَنَّهُ أَسْحَرُ مِنْهُمْ.
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ قَرَأَ حَفْصٌ آمَنْتُمْ عَلَى الْخَبَرِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ أَيْ فَعَلْتُمْ هَذَا الْفِعْلَ الشَّنِيعَ وَبَّخَهُمْ بِذَلِكَ وَقَرَّعَهُمْ، وَقَرَأَ العربين وَنَافِعٌ وَالْبَزِّيُّ بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ وَمَدَّةٍ بَعْدَهَا مُطَوَّلَةٍ فِي تَقْدِيرِ أَلِفَيْنِ إِلَّا وَرْشًا فَإِنَّهُ يُسَهِّلُ الثَّانِيَةَ وَلَمْ يُدْخِلْ أَحَدٌ أَلِفًا بَيْنَ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُلَيَّنَةِ وَكَذَلِكَ فِي طه وَالشُّعَرَاءِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِيهِنَّ بِالِاسْتِفْهَامِ وَحَقَّقَا الْهَمْزَةَ وَبَعْدَهَا أَلِفٌ وَقَرَأَ قُنْبُلٌ هُنَا بِإِبْدَالِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَاوًا الضمة نُونِ فِرْعَوْنَ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا أَوْ تَسْهِيلِهَا أَوْ إِبْدَالِهَا أَوْ إِسْكَانِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَقَرَأَ فِي طه مِثْلَ حَفْصٍ وَفِي الشُّعَرَاءِ مِثْلَ الْبَزِّيِّ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ وَالِاسْتِبْعَادُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِمْ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ، وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مُوسَى وَفِي طه وَالشُّعَرَاءِ يَعُودُ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَى مُوسَى لِقَوْلِهِ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ «٢» ، وَقِيلَ آمَنْتُ بِهِ
(١) سورة طه: ٢٠/ ٧٠.(٢) سورة طه: ٢٠/ ٧١ والشعراء: ٢٦/ ٤٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute