الْمَعْنَى فَمَا آلَتْ دَعَاوِيهِمُ الَّتِي كَانَتْ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ إِلَى اعْتِرَافٍ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَقَدْ شَهِدَتْ قَيْسٌ فَمَا كَانَ نَصْرُهَا ... قُتَيْبَةَ إِلَّا عَضَّهَا بِالْأَبَاهِمِ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ فَمَا كَانَ اسْتِغَاثَتَهُمْ إِلَّا قَوْلُهُمْ هَذَا لِأَنَّهُ لَا مُسْتَغَاثَ مِنَ اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ دَعْواهُمْ بِالْكَعْبِ قَالُوا ودعواهم اسْمُ كَانَ وَإِلَّا أَنْ قَالُوا الْخَبَرُ وَأَجَازُوا الْعَكْسَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي نُصُوصَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا يَجُوزَ إِلَّا هُوَ فَيَكُونُ دَعْواهُمْ الاسم وإِلَّا أَنْ قالُوا الْخَبَرُ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَلَا مَعْنَوِيَّةٌ تُبَيِّنُ الْفَاعِلَ مِنَ الْمَفْعُولِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ وَتَأْخِيرُ الْمَفْعُولِ نَحْوُ: ضَرَبَ مُوسَى عِيسَى وَكَانَ وَأَخَوَاتُهَا مُشَبَّهَةٌ فِي عَمَلِهَا بِالْفِعْلِ الَّذِي يَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ، فَكَمَا وَجَبَ ذَلِكَ فِيهِ وَجَبَ ذَلِكَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ كَانَ وَدَعْوَاهُمْ وَإِلَّا أَنْ قَالُوا لَا يَظْهَرُ فِيهِمَا لَفْظٌ يُبَيِّنُ الِاسْمَ مِنَ الْخَبَرِ وَلَا مَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ هُوَ الِاسْمَ وَاللَّاحِقُ الْخَبَرَ.
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ أَيْ نَسْأَلُ الْأُمَمَ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَعَنْ مَا بَلَّغَهُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ لِقَوْلِهِ ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ «١» ، وَيُسْأَلُ الرُّسُلُ عَمَّا أَجَابَ به من أرسلوا إليه كَقَوْلِهِ، يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ «٢» وَسُؤَالُ الْأُمَمِ تَقْرِيرٌ وَتَوْبِيخٌ يُعْقِبُ الْكُفَّارَ وَالْعُصَاةَ عَذَابًا وَسُؤَالُ الرُّسُلِ تَأْنِيسٌ يُعْقِبُ الْأَنْبِيَاءَ ثَوَابًا وَكَرَامَةً. وَقَدْ جَاءَ السُّؤَالُ مَنْفِيًّا وَمُثْبَتًا بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ أَوْ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّاتِ كَسُؤَالِ التَّوْبِيخِ وَالتَّأْنِيسِ وسؤال الاستعلام البحث مَنْفِيٌّ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
وَقِيلَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ الْمَلَائِكَةُ وَهَذَا بَعِيدٌ.
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ أَيْ نَسْرُدُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ قِصَّةً قِصَّةً بِعِلْمٍ مِنَّا لِذَلِكَ وَاطِّلَاعٍ عَلَيْهِ وَما كُنَّا غائِبِينَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ بَلْ عِلْمُنَا مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ حَيْثُ يُقِرُّونَ بِالظُّلْمِ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ وَيَقُصُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ. قَالَ وَهْبٌ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ أَتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا أَتَذْكُرُ حِينَ قُلْتَ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِ مَا فَعَلَهُ وَقَالَهُ فِي دُنْيَاهُ وَفِي قَوْلِهِ بِعِلْمٍ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا عَلِمَ لِلَّهِ.
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ اخْتَلَفُوا هَلْ ثَمَّ وزن وميزان حقيقة
(١) سورة القصص: ٢٨/ ٦٥.(٢) سورة المائدة: ٥/ ١٠٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute