وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ خَصَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ وَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ مُحَافِظًا عَلَى أَخَوَاتِهَا وَمَعْنَى الْمُحَافَظَةِ الْمُوَاظِبَةُ عَلَى أَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى أَحْسَنِ مَا تُوقَعُ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ أَشْرَفُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوقَعِ اسْمُ الْإِيمَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ إِلَّا عَلَيْهَا قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «١» أَيْ صَلَاتَكُمْ وَلَمْ يَقَعِ الْكُفْرُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي إِلَّا عَلَى تَرْكِهَا.
رُوِيَ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ»
، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عَلى صَلاتِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَرَوَى خَلَفٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ صَلَوَاتِهِمْ بِالْجَمْعِ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ الرَّوْضَةِ مِنْ تَأْلِيفِهِ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ذَكَرَ الزَّهْرَاوِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ قِيلَ: وَفِي الْمُسْتَهْزِئِينَ مَعَهُ لِأَنَّهُ عَارَضَ الْقُرْآنَ بِقَوْلِهِ: وَالزَّارِعَاتِ زَرْعًا وَالْخَابِزَاتِ خبزا والطابخات طبخا والطاحنات طَحْنًا وَاللَّاقِمَاتِ لَقْمًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ السَّخَافَاتِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِهَا مُسَيْلِمَةُ الْحَنَفِيُّ وَالْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ وَذَكَرُوا رُؤْيَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسِّوَارَيْنِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهُوَ مُسَيْلِمَةُ الْحَنَفِيُّ أَوْ كَذَّابُ صَنْعَاءَ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمُرَادُ بِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيُّ أَخُو عُثْمَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ كَتَبَ آيَةَ قَدْ أَفْلَحَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَمْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ عَجِبَ مِنْ تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَقَالَ: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «٢» فَقَالَ الرَّسُولُ: «اكْتُبْهَا فَهَكَذَا أُنْزِلَتْ» فَتَوَهَّمَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ مُرْتَدًّا وَقَالَ: أَنَا أُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
، وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
أَوَّلَهَا فِي مُسَيْلِمَةَ وَآخِرُهَا فِي ابْنِ أَبِي سَرْحٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أُمْلِيَ عَلَيْهِ سَمِيعاً عَلِيماً «٣» كَتَبَ هُوَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَإِذَا قَالَ: عَلِيمًا حَكِيمًا كَتَبَ هُوَ غَفُورًا رَحِيمًا،
وَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ: نَزَلَتْ فِي ابْنِ أَبِي سَرْحٍ وَمَنْ قَالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ارْتَدَّ وَدَخَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَغَيَّبَهُ عُثْمَانُ وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ حَتَّى اطْمَأَنَّ أَهْلُ مَكَّةَ ثُمَّ أَتَى بِهِ الرَّسُولَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ الرَّسُولَ فَأَمَّنَهُ.
انْتَهَى، وَقَدْ وَلَّاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي أَيَّامِهِ وَفُتِحَتْ عَلَى يَدَيْهِ الْأَمْصَارُ فَفَتَحَ أَفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَغَزَا الْأَسَاوِدَ مِنْ أَرْضِ النَّوْبَةِ وَهُوَ الَّذِي
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٤٣.(٢) سورة المؤمنون: ٢٣/ ١، ١٤٨.(٣) سورة النساء: ٤/ ١٤٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute