وَقَالَ زُهَيْرٌ:
لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجَالَ إِذَا مَا ... كَذَّبَ اللَّيْثُ عَنْ أَقْرَانِهِ صَدَقَا
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ لَيْثًا أَوْ ذِئْبًا ضَارِيًا أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ.
تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ أَيْ بَعْضٌ مِنْهُ يُتَنَاوَلُ بِالْأَيْدِي لِقُرْبِ غِشْيَانِهِ حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنْهُ الْيَدُ وَبَعْضٌ بِالرِّمَاحِ لِبُعْدِهِ وَتَفَرُّقِهِ فَلَا يُوَصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالرُّمْحِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْدِيكُمْ فِرَاخُ الطَّيْرِ وَصِغَارُ الْوَحْشِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْأَيْدِي الْفِرَاخُ وَالْبَيْضُ وَمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفِرَّ وَالرِّمَاحُ تَنَالُ كِبَارَ الصَّيْدِ، قِيلَ وَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمُتَوَحِّشِ الْمُمْتَنِعِ دُونَ مَا لَا يَمْتَنِعُ انْتَهَى، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْضِ صَيْدٌ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بما يؤول إِلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ خَصَّ الْأَيْدِي بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ تَصَرُّفًا فِي الِاصْطِيَادِ وَفِيهَا تَدَخُّلُ الْجَوَارِحِ وَالْحِبَالَاتِ وَمَا عُمِلَ بِالْيَدِ مِنْ فِخَاخٍ وَشِبَاكٍ وَخَصَّ الرِّمَاحَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مَا يُجْرَحُ بِهِ الصَّيْدُ وَفِيهَا يَدْخُلُ السَّهْمُ وَنَحْوُهُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ لِلْآخِذِ لَا لِلْمُثِيرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْمُثِيرَ لَمْ تَنَلْ يَدُهُ وَلَا رُمْحُهُ بَعْدُ شَيْئًا. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ وَابْنُ وَثَّابٍ يَنَالُهُ بِالْيَاءِ مَنْقُوطَةٍ مِنْ أَسْفَلَ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَنالُهُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ بِشَيْءٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْهُ إِذْ قَدْ وَصَفَ وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الصَّيْدِ.
لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَيَبْلُوَنَّكُمُ وَمَعْنَى لِيَعْلَمَ لِيَتَمَيَّزَ مَنْ يَخَافُ عِقَابَهُ تَعَالَى وَهُوَ غَائِبٌ مُنْتَظَرٌ فِي الْآخِرَةِ فَيَبْقَى الصَّيْدُ مِمَّنْ لَا يَخَافُهُ فَيُقْدِمَ عَلَيْهِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عطية لِيَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ إِذْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمًا وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْعِلْمِ عَنِ الرُّؤْيَةِ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِيَعْلَمَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ أَيْ فِي السِّرِّ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فَالْخَائِفُ لَا يَصِيدُ وَغَيْرُ الْخَائِفِ يَصِيدُ، وَقِيلَ يُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَعْلَمَ، وَقِيلَ لِيَظْهَرَ الْمَعْلُومُ وَهُوَ خَوْفُ الْخَائِفِ وَبِالْغَيْبِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَائِفَ غَائِبٌ عَنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِثْلُهُ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ «١» ويَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ «٢»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنه يراك» .
(١) سورة ق: ٥٠/ ٣٣.(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٤٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute