مُشْرِكَيْنِ، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُقْرِضَكَ، فَأَجْلَسُوهُ فِي صُفَّةٍ وَهَمُّوا بِالْقَتْلِ بِهِ، وَعَمَدَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشٍ إِلَى رَحًى عَظِيمَةٍ يَطْرَحُهَا عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ يَدَهُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَهُ فَخَرَجَ.
وَقِيلَ: نَزَلَ مَنْزِلًا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ حفصة بْنِ قَيْسِ بْنِ غَيْلَانَ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِهَا، فَعَلَّقَ الرَّسُولُ سِلَاحَهُ بِشَجَرَةٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَسَلَّ سَيْفَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ غَوْرَثٌ، وَقِيلَ: دَعْثُورُ بْنُ الحرث، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ قَالَهَا ثَلَاثًا» وَقَالَ:
أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا، فَشَامَ السَّيْفَ وَحُبِسَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لَمْ يُعَاقِبْهُ. قِيلَ: أَسْلَمَ. وَقِيلَ: ضَرَبَ بِرَأْسِهِ سَاقَ الشَّجَرَةِ حَتَّى مَاتَ.
وَرُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ رَأَوُا الْمُسْلِمِينَ قَامُوا إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ يُصَلُّونَ مَعًا بِعُسْفَانَ فِي غَزْوَةِ ذِي أَنْمَارٍ، فَلَمَّا صَلَّوْا نَدِمُوا أَنْ لَا كَانُوا أَكَبُّوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: إِنَّ لَهُمْ صَلَاةً بَعْدَهَا هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَهَمُّوا أَنْ يُوقِعُوا بِهِمْ إِذَا قَامُوا إِلَيْهَا، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ.
وَقَدْ طَوَّلُوا بِذِكْرِ أَسْبَابٍ أُخَرَ. وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ قُرَيْشًا، أَوْ بَنِي النَّضِيرِ، أَوْ قُرَيْظَةَ، أَوْ غَوْرَثًا، هَمُّوا بِالْقَتْلِ بِالرَّسُولِ، أَوِ الْمُشْرِكِينَ هَمُّوا بِالْقَتْلِ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ نَزَلَتْ فِي مَعْنَى الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ «١» قَالَهُ الزَّجَّاجُ، أَوْ عَقِيبَ الْخَنْدَقِ حِينَ هَزَمَ اللَّهُ الْأَحْزَابَ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ «٢» وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعَمِهِ إِذْ أَرَادَ قَوْمٌ مِنَ الْكُفَّارِ لَمْ يُعَيِّنْهُمُ اللَّهُ بَلْ أَبْهَمَهُمْ أَنْ يَنَالُوا الْمُسْلِمِينَ بِشَرٍّ، فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ:
بَسَطَ إِلَيْهِ لِسَانَهُ أَيْ شَتَمَهُ، وَبَسَطَ إِلَيْهِ يَدَهُ مَدَّهَا لِيَبْطِشَ بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ «٣» وَيُقَالُ: فُلَانٌ بَسِيطُ الْبَاعِ، وَمَدَّ يَدَ الْبَاعِ، بِمَعْنًى. وَكَفُّ الْأَيْدِيَ مَنْعُهَا وَحَبْسُهَا. وَجَاءَ الْأَمْرُ بِالتَّقْوَى أَمْرَ مُوَاجَهَةٍ مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِ اذْكُرُوا. وَجَاءَ الْأَمْرُ بِالتَّوَكُّلِ أَمْرَ غَائِبٍ لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ، وَإِشْعَارًا بِالْغَلَبَةِ، وَإِفَادَةً لِعُمُومِ وَصْفِ الْإِيمَانِ، أَيْ:
لِأَجْلِ تَصْدِيقِهِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يُؤْمَرُ بِالتَّوَكُّلِ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَلِابْتِدَاءِ الْآيَةِ بِمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ وَخَتْمِهَا بِمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَةِ التقريب.
(١) سورة المائدة: ٥/ ٣.(٢) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٢٥.(٣) سورة الممتحنة: ٦٠/ ٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute