أَيْ: أَهُمْ هُمْ. وَحُكِيَ هَذَا الْوَجْهُ عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْحَسَنَةَ هُنَا مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالسَّيِّئَةَ مَا نُكِبُوا بِهِ يَوْمَ أُحُدٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ وَصَبٌ وَلَا نَصَبٌ، حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا، حَتَّى انْقِطَاعَ شسع نَعْلِهِ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ» . وَقَالَ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «١» .
وَقَدْ تَجَاذَبَتِ الْقَدَرِيَّةُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ الدَّلَالَةَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ، فَتَعَلَّقَتِ الْقَدَرِيَّةُ بِالثَّانِيَةِ وَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْسَبَ فِعْلُ السَّيِّئَةِ إِلَى اللَّهِ بِوَجْهٍ، وَجَعَلُوا الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى الْخِصْبِ وَالْجَدَبِ وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ. وَتَعَلَّقَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِالْأُولَى وَقَالُوا: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ «٢» عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الظَّاهِرَةَ مِنَ الْعِبَادِ هِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَأَوَّلُوا الثَّانِيَةَ وَهِيَ: مَسْأَلَةٌ يُبْحَثُ عَنْهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذِهِ الْآيَاتِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إِلَّا الْجُهَّالُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، لِأَنَّهُمْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّيِّئَةَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ.
وَالْقَدَرِيَّةُ قَالُوا: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ أَيْ: مِنْ طَاعَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَذَا اعْتِقَادَهُمْ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمُ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ مَذَاهِبَهُمْ: أَنَّ الْحَسَنَةَ فِعْلُ الْمُحْسِنِ، وَالسَّيِّئَةَ فِعْلُ الْمُسِيءِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لَكَانَ يَقُولُ: مَا أَصَبْتَ مِنْ حَسَنَةٍ وَمَا أَصَبْتَ مِنْ سَيِّئَةٍ، لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ لِلْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ جَمِيعًا، فَلَا تُضَافُ إِلَيْهِ إِلَّا بِفِعْلِهِ لَهُمَا لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ، نَصَّ عَلَى هَذَا الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ شِيثُ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بن حيدرة فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِحَزِّ الْعَلَاصِمِ فِي إِفْحَامِ الْمُخَاصِمِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِذَا تُؤُمِّلَ مَوْرِدُ الْكَلَامِ وَسَبَبُ النُّزُولِ فَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بِالْآيَةِ عَلَى وَجْهٍ يُثْلِجُ صَدْرًا أَوْ يُزِيلُ شَكًّا، إِذْ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ أَسْلَمُوا ذَرِيعَةً إِلَى غِنًى وَخِصْبٍ يَنَالُونَهُ، وَظَفَرٍ يُحَصِّلُونَهُ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا نَابَتْهُ نَائِبَةٌ، أَوْ فَاتَهُ مَحْبُوبٌ، أَوْ نَالَهُ مَكْرُوهٌ، أَضَافَ سَبَبَهُ إِلَى الرَّسُولِ مُتَطَيِّرًا بِهِ. وَالْحَسَنَةُ هُنَا وَالسَّيِّئَةُ كَهُمَا فِي: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ «٣» وَفِي فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ «٤» انْتَهَى. وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ فَقَالَ: هَذَا تَنَاقُضٌ، لِأَنَّهُ قَالَ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَقَالَ عَقِيبَهُ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ الْآيَةَ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْوَهْيِ، لِأَنَّ الْحَسَنَةَ
(١) سورة الشورى: ٤٢/ ٣٠.(٢) سورة النساء: ٤/ ٧٨.(٣) سورة الأعراف: ٧/ ١٦٨.(٤) سورة الأعراف: ٧/ ١٣١. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute