هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ «١» وَأَعْلَمُ عَلَى بَابِهَا مِنَ التَّفْضِيلِ، أَيْ: أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ مِنْكُمْ. وَقِيلَ:
بِمَعْنَى عَلِيمٍ، أَيْ عَلِيمٌ بِأَعْدَائِكُمْ.
وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً ومن كان الله وليه وَنَصِيرَهُ فَلَا يُبَالِي بِالْأَعْدَاءِ، فَثِقُوا بِوِلَايَتِهِ وَنُصْرَتِهِ دُونَهُمْ أَوْ لَا تُبَالُوا بِهِمْ، فَإِنَّهُ يَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَكْفِيكُمْ مَكْرَهُمْ. وَقِيلَ:
الْمَعْنَى وَلِيًّا لِرَسُولِهِ، نَصِيرًا لِدِينِهِ.
وَالْبَاءُ فِي بِاللَّهِ زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ حَذْفُهَا كَمَا قَالَ: سُحَيْمٌ:
كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا وَزِيَادَتُهَا فِي فَاعِلِ كَفَى وَفَاعِلِ يَكْفِي مُطَّرِدَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «٢» وَقَالَ الزَّجَّاجُ: دَخَلَتِ الْبَاءُ فِي الْفَاعِلِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ الْأَمْرُ أَيِ: اكْتَفُوا بِاللَّهِ. وَكَلَامُ الزَّجَّاجِ مُشْعِرٌ أَنَّ الْبَاءَ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ، وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ مِنَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ هُمُ الْمُخَاطِبُونَ، وَيَكُونُ بِاللَّهِ مُتَعَلِّقًا بِهِ. وَكَوْنُ الْبَاءِ دَخَلَتْ فِي الْفَاعِلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ لَا الْمُخَاطَبُونَ، فَتُنَاقِضُ قَوْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: مَعْنَاهُ كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ لَيْسَتْ زَائِدَةً إِذْ تَتَعَلَّقُ بِالِاكْتِفَاءِ، فَالِاكْتِفَاءُ هُوَ الْفَاعِلُ لِكَفَى. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِيهِ حَذْفَ الْمَصْدَرِ وَهُوَ مَوْصُولٌ، وَإِبْقَاءُ مَعْمُولِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ نَحْوَ قَوْلِهِ:
هَلْ تَذْكُرُنَّ إِلَى الدِّيرَيْنِ هِجْرَتَكُمْ ... وَمَسْحَكُمْ صُلْبَكُمْ رَحْمَانَ قُرْبَانَا
التَّقْدِيرُ: وَقَوْلُكُمْ يَا رَحْمَنُ قُرْبَانَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِاللَّهِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِتَقْدِيرِ زِيَادَةِ الْخَافِضِ، وَفَائِدَةُ زِيَادَتِهِ تَبْيِينُ مَعْنَى الْأَمْرِ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ، أَيِ: اكْتَفَوْا بِاللَّهِ، فَالْبَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مُلَفَّقٌ بَعْضُهُ مِنْ كَلَامِ الزَّجَّاجِ، وَهُوَ أَفْسَدُ مِنْ قَوْلِ الزَّجَّاجِ، لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى تَنَاقُضِ اخْتِلَافِ الْفَاعِلِ تناقض اخْتِلَافَ مَعْنَى الْحَرْفِ، إِذْ بِالنِّسْبَةِ لِكَوْنِ اللَّهِ فَاعِلًا هُوَ زَائِدٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ اكْتَفُوا بِاللَّهِ هُوَ غَيْرُ زَائِدٍ. وَقَالَ ابْنُ عِيسَى: إِنَّمَا دَخَلَتِ الْبَاءُ فِي كَفَى بِاللَّهِ لأنه كان يتصل اتصال الْفَاعِلُ، وَبِدُخُولِ الْبَاءِ اتَّصَلَ اتصال مضاف، واتصال الفاعل لأن الكفارية مِنْهُ لَيْسَتْ كَالْكِفَايَةِ مِنْ غيره، فضوعف لفظها لمضاعفة مَعْنَاهَا، وَهُوَ كَلَامٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى كَفَى بِاللَّهِ في قوله:
(١) سورة المنافقون: ٦٣/ ٤.(٢) سورة فصلت: ٤١/ ٥٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute