وَمَقَاعِدُ: جَمْعُ مَقْعَدٌ، وَهُوَ هُنَاكَ مَكَانُ الْقُعُودِ. وَالْمَعْنَى: مَوَاطِنُ وَمَوَاقِفُ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْمَقْعَدُ وَالْمَقَامُ فِي مَعْنَى الْمَكَانِ. وَمِنْهُ: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ «١» وقَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ «٢» .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدِ اتَّسَعَ فِي قَعَدَ وَقَامَ حَتَّى أُجْرِيَا مَجْرَى صَارَ انْتَهَى. أَمَّا إِجْرَاءُ قَعَدَ مَجْرَى صَارَ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّمَا جَاءَ فِي لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ شَاذَّةٌ لَا تَتَعَدَّى، وَهِيَ فِي قَوْلِهِمْ: شَحَذَ شَفْرَتَهُ حَتَّى قَعَدَتْ كَأَنَّهَا حَرْبَةٌ، أَيْ صَارَتْ. وَقَدْ نُقِدَ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ تَخْرِيجُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَقْعُدَ مَلُوماً «٣» عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَتَصِيرُ، لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لَا يَطَّرِدُ. وَفِي الْيَوَاقِيتِ لِأَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْقَعْدُ الصَّيْرُورَةُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَعَدَ فُلَانٌ أميرا بعد ما كَانَ مَأْمُورًا أَيْ صَارَ. وَأَمَّا إِجْرَاءٌ قَامَ مَجْرَى صَارَ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَدَّهَا فِي أَخَوَاتِ كَانَ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّهَا تَأْتِي بِمَعْنَى صَارَ، وَلَا ذَكَرَ لَهَا خَبَرًا إِلَّا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ الخضراوي فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ ... إِنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَفْظَةُ الْقُعُودِ أَدَلُّ عَلَى الثُّبُوتِ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الرُّمَاةَ إِنَّمَا كَانُوا قُعُودًا، وَكَذَلِكَ كَانَتْ صُفُوفُ الْمُسْلِمِينَ أَوَّلًا، وَالْمُبَارِزَةُ وَالسَّرَعَانُ يَجُولُونَ. وَجَمَعَ الْمَقَاعِدَ لِأَنَّهُ عَيَّنَ لَهُمْ مَوَاقِفَ يَكُونُونَ فِيهَا: كَالْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ، وَالْقَلْبِ، وَالشَّاقَّةِ. وَبَيَّنَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مَوْضِعَهُمُ الَّذِي يَقِفُونَ فِيهِ.
خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَأَصْبَحَ بِالشِّعْبِ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ، فَمَشَى عَلَى رِجْلَيْهِ، فَجَعَلَ يَصِفُ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ كَأَنَّمَا يَقُومُ بِهِمُ الْقَدَحُ. إِنْ رَأَى صَدْرًا خَارِجًا قَالَ: «تَأَخَّرَ» ، وَكَانَ نُزُولُهُ فِي غُدْوَةِ الْوَادِي، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ. وَأَمَّرَ عبد الله بن جبير عَلَى الرُّمَاةِ وَقَالَ لَهُمْ: «انصحوا عَنَّا بِالنَّبْلِ» لَا يَأْتُونَا من ورائنا» .
وتبوىء جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ. فَقِيلَ: هِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ خَرَجْتَ قَاصِدَ التَّبْوِئَةِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْغُدُوِّ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التَّبْوِئَةِ. وقرأ الجمهور تبوىء مِنْ بَوَّأَ. وَقَرَأَ عَبْدُ الله:
تبوّىء مِنْ أَبْوَأَ، عَدَّاهُ الْجُمْهُورُ بِالتَّضْعِيفِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بِالْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ: تَبْوَى بِوَزْنِ تَحْيَا، عَدَّاهُ بِالْهَمْزَةِ، وَسَهَّلَ لَامَ الْفِعْلِ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءً نَحْوَ: يقرى في يقرىء. وقرأ
(١) سورة القمر: ٥٩/ ٥٥.(٢) سورة النمل: ٢٧/ ٣٩. [.....](٣) سورة الإسراء: ١٧/ ٢٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute