لَمْ يُجَأْ بِهِمَا. وَقَدْ يَكُونُ الْعَكْسُ. فَمِنْ قَصْدِ اللُّزُومِ مَعَ ثُبُوتِ الْأَلِفِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
مُدْهامَّتانِ «١» وَمِنْ قَصْدِ الْعُرُوضِ مَعَ عَدَمِ الألف قوله تعالى: تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ «٢» وَاحْمَرَّ خَجَلًا. وَجَوَابُ أَمَّا فَفِي الْجَنَّةِ، وَالْمَجْرُورُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، أَيْ فَمُسْتَقِرُّونَ فِي الْجَنَّةِ. وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، لَمْ تَدْخُلْ فِي حَيِّزِ أَمَّا، وَلَا فِي إِعْرَابِ مَا بَعْدَهُ. دَلَّتْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِقْرَارَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْخُلُودِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ مَوْقِعُ قَوْلِهِ: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ؟ (قُلْتُ) : مَوْقِعُ الِاسْتِئْنَافِ. كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُونَ فِيهَا؟
فَقِيلَ: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا وَلَا يَمُوتُونَ انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقِيلَ: جَوَابُ أَمَّا فَفِي الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وهم فِيهَا خَالِدُونَ ابْتِدَاءٌ. وَخَبَرٌ وَخَالِدُونَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفَيْنِ، وَكُرِّرَ عَلَى طَرِيقِ التَّوْكِيدِ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِدْعَاءِ وَالتَّشْوِيقِ إِلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ.
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ الْإِشَارَةُ بِتِلْكَ قِيلَ: إِلَى الْقُرْآنِ كُلُّهُ. وَقِيلَ: إِلَى مَا أُنْزِلَ مِنَ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَالْيَهُودِ الَّذِينَ مَكَرُوا بِهِمْ، وَالتَّقَدُّمُ إِلَيْهِمْ بِتَجَنُّبِ الِافْتِرَاقِ. وَكَشَفَ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ حَالِهِمْ وَحَالِ أَعْدَائِهِمْ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «٣» وَقِيلَ: تِلْكَ بِمَعْنَى هَذِهِ لَمَّا انْقَضَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا بَعُدَتْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ الْوَارِدَةُ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ. قَالَ الْإِشَارَةُ بِتِلْكَ إِلَى هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ تَعْذِيبَ الكفارة وَتَنْعِيمَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَتْلُوهَا بِالنُّونِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ، لِمَا فِي إِسْنَادِ التِّلَاوَةِ لِلْمُعَظَّمِ ذَاتُهُ مِنَ الْفَخَامَةِ وَالشَّرَفِ. وَقَرَأَ أَبُو نَهِيكٍ بِالْيَاءِ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي نَتْلُوهَا فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ، لِيَتَّحِدَ الضَّمِيرُ. وَلَيْسَ فِيهِ الْتِفَاتٌ، لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ غَائِبٌ عَادَ عَلَى اسْمٍ غَائِبٍ. وَمَعْنَى التِّلَاوَةِ: الْقِرَاءَةُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِسْنَادُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، إِذِ التَّالِي هُوَ جِبْرِيلُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالتِّلَاوَةِ كَانَ كَأَنَّهُ هُوَ التَّالِي تَعَالَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَتْلُوهَا يُنَزِّلُهَا مُتَوَالِيَةً شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَجَوَّزُوا فِي قِرَاءَةِ أَبِي نَهِيكٍ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ عَائِدًا عَلَى جِبْرِيلَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذكر للعلم به.
(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٦٤.(٢) سورة الكهف: ١٨/ ١٧.(٣) سورة آل عمران: ٣/ ١٠٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute