وآتينا موسى الكتاب من أجل أن يكون هداية لبنى إسرائيل إلى الصراط المستقيم.
وقلنا لهم: لا تتخذوا غير الله- تعالى- وكيلا، أى: معبودا، تفوضون إليه أموركم، وتكلون إليه شئونكم، فهو- سبحانه-: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا.
قال الإمام الرازي ما ملخصه: قرأ أبو عمرو «ألا يتخذوا» بالياء خبرا عن بنى إسرائيل: وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب، أى: قلنا لهم لا تتخذوا. ويصح أن تكون أن ناصبة للفعل فيكون المعنى: وجعلناه هدى لئلا تتخذوا ... وأن تكون أن بمعنى أى التي للتفسير- أى هي مفسرة لما تضمنه الكتاب من النهى عن اتخاذ وكيل سوى الله- تعالى- «١» .
وقوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ... منصوب على الاختصاص، أو على النداء والمقصود بهذه الجملة الكريمة إثارة عزائمهم نحو الإيمان والعمل الصالح، وتنبيههم إلى نعمه- سبحانه- عليهم، حيث جعلهم من ذرية أولئك الصالحين الذين آمنوا بنوح- عليه السلام- وحضهم على السير على منهاجهم في الإيمان والعمل الصالح، فإن شأن الأبناء أن يقتدوا بالآباء في التقوى والصلاح.
والمعنى: لا تتخذوا يا بنى إسرائيل معبودا غير الله- تعالى-، فأنتم أبناء أولئك القوم الصالحين، الذين آمنوا بنوح- عليه السلام- فأنجاهم الله- تعالى- مع نبيهم من الغرق.
قال الآلوسى: وفي التعبير بما ذكر إيماء إلى علة النهى من أوجه: أحدها تذكيرهم بالنعمة في إنجاء آبائهم. والثاني: تذكيرهم بضعفهم وحالهم المحوج إلى الحمل والثالث: أنهم أضعف منهم- أى من آبائهم- لأنهم متولدون عنهم وفي إيثار لفظ الذرية الواقعة على الأطفال والنساء في العرف الغالب مناسبة تامة لما ذكر «٢» .
وقوله: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً تذييل قصد به الثناء على نوح- عليه السلام- أى:
إن نوحا- عليه السلام- كان من عبادنا الشاكرين لنعمنا، المستعملين لها فيما خلقت له، المتوجهين إلينا بالتضرع والدعاء في السراء والضراء.
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢٠ ص ١٥٣ طبعة دار الكتاب العالمية. (٢) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٥.