وإما أن يكلمه الله من وراء حجاب فيسمع الكلام ولا يعرف مصدره كما حدث لموسى- عليه الصلاة والسلام-، وإما أن يكلم الرسول من البشر بأن يرسل إليه ملكا من الملائكة كجبريل- عليه السلام- فيوحى ذلك الرسول إلى المرسل إليه من البشر يوحى إليه بإذنه، أى: بأمره- سبحانه وتعالى- وتيسيره، فيوحى إليه ما يشاء.
وكان لهذه الآية وأمثالها وضع خاص، وكانت مثار نزاع بين المسلمين كفرقة المعتزلة وفرقة أهل السنة، ففهم المعتزلة من حصر كلام الله- سبحانه- لخلقه في الأحوال الثلاثة أن رؤية الله غير جائزة، وأثبت الرؤية أهل السنة استنادا إلى آيات من القرآن، على أن الخلاف في رؤية الله يوم القيامة، والحق مع أهل السنة في هذا.
إن ربك عليم بخلقه، يعلم أن أحدا من خلقه لا يستطيع- مهما كان- أن يقوى على المشافهة أو الوقوف في الحضرة القدسية أو الانغماس في الأنوار الإلهية. ولذا ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب إنه علىّ حكيم يضع الأمور في نصابها فلا اعتراض ولا نقاش.
ومثل ذلك الإيحاء البديع، الإيحاء الإلهى أوحينا إليك يا محمد روحا من أمرنا.. إى وربي إنه روح من أمر الله، وسر من أسراره، وأمر لا يدرى كنهه إلا هو، وهل القرآن روح؟! نعم إنه للدنيا روح، وأى روح؟ إنه أحيا العالم، ونقله من حضيض الجهل إلى ذروة العلم والعرفان. هل يستوي الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات والنور؟