كانوا يرون ذلك ويعتقدونه، سرهم أن وجدوا في ظواهر بعض كلام السلف مثل تلك الألفاظ وأنزلوها على مذهبهم.
ومن هنا وجب إيضاح معنى هذين اللفظين في استعمال السلف، فنقول: إن السلف الذين استعملوا هذين اللفظين لم يخرجوا عما ورد به الكتاب والسنة من معنى.
١ - فإن التصديق في الكتاب والسنة - بل وفي لغة العرب - ليس محصوراً في التصديق الخبري، وإنما ورد كذلك في التصديق العملي، أي تصديق الخبر بالامتثال والدعوى بالعمل، فهو بمعنى "التحقيق" ومنه قوله تعالى:
«وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا»[الصافات: ١٠٤- ١٠٥]
أي قد امتثلت الأمر وحقيقته بإضجاعك ولدك وهمك بذبحه باستسلام وانقياد، فكأنه قد ذبحه فعلاً لأن المقصود هو عمل القلب وإسلام الوجه لله وإلا فالله غني عن ذلك، قال تعالى:
«لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم»[الحج: ٣٧]
وقريب من ذلك قوله تعالى:
«فمن أظلم ممن كَذَبَ على الله وكَذَّبَ بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوىً للكافرين، والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتقون»[الزمر: ٣٢- ٣٣]
فإن أحد معانيها - وهو الأظهر - أن الصدق هو شهادة أن لا إله إلا الله - أي الإيمان - فهي التي كذب بها الكفار، ومن جاء بها من المؤمنين مصدقاً بها - أو مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم - فهو المتقي (١) .
كما فسّر مجاهد الصدق بأنه: القرآن، والذي صدّق به: المؤمنون، قال:"أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون: هذا ما أعطيتمونا فعملنا بما أمرتمونا".
قال ابن كثير:"وهذا القول عن مجاهد يشمل كل المؤمنين، فإن المؤمن يقول الحق ويعمل به"(٢) .
(١) انظر: ابن كثير (٧/٨٩- ٩٠) وقد نقل تفسير الصدق بالشهادة عن ابن عباس. (٢) ثم قال: " والرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس بالدخول في هذه الآية على هذا التفسير " أي: فلا منافاة بينه وبين قول من قال: إن الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هم المؤمنون، لكن القول الأول أشمل وأظهر، راجع المصدر السابق.