٥١٩ - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: إنَّا كُنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤُوا إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ في الخَنْدَقِ. فَقَالَ:«أنَا نَازِلٌ» ثُمَّ قَامَ، وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلَاثَة أيّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأخَذَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ كَثيبًا أهْيَلَ أَو أهْيَمَ، فقلت: يَا رسول الله، ائْذَنْ لي إِلَى البَيْتِ، فقلتُ لامْرَأتِي: رَأيْتُ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيئًا مَا في ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فقالت: عِنْدي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ (١)، فَذَبَحْتُ العَنَاقَ وَطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ في البُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَالعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالبُرْمَةُ بَيْنَ الأثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ تَنْضِجُ، فقلتُ: طُعَيْمٌ لي، فَقُمْ أنْتَ يَا رسول اللهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ، قَالَ:«كَمْ هُوَ»؟ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ:«كثيرٌ طَيِّبٌ قُل لَهَا لَا تَنْزَع البُرْمَةَ، وَلَا الخبْزَ مِنَ التَّنُّورِحتى آتِي» فَقَالَ: «قُومُوا»، فقام المُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فقلتُ: وَيْحَكِ قَدْ جَاءَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ ومن مَعَهُمْ! قالت: هَلْ سَألَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:«ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا» فَجَعَلَ يَكْسرُ الخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ البُرْمَةَ (٢) وَالتَّنُّور إِذَا أخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزعُ، فَلَمْ يَزَلْ يِكْسِرُ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ مِنْهُ، فَقَالَ:«كُلِي هَذَا وَأهِدي، فَإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ». متفقٌ عَلَيْهِ. (٣)
وفي رواية قَالَ جابر: لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأيْتُ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأتِي، فقلت: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإنّي رَأيْتُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شَديدًا، فَأخْرَجَتْ إلَيَّ جِرَابًا فِيه صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بَهِيمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنتِ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغي، وَقَطَعْتُهَا في بُرْمَتها، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: لَا تَفْضَحْنِي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ مَعَهُ، فَجئتهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رسول الله، ذَبَحْنَا بهيمَة لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعَالَ أنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:«يَا أهلَ الخَنْدَقِ: إنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّهَلا بِكُمْ» فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم:«لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلَا تَخْبزنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أجِيءَ» فَجِئْتُ، وَجَاءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأتِي،
(١) العناق: هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يَتِمّ له سَنَة. النهاية ٣/ ٣١١. (٢) البُرْمَة: القِدر مطلقًا، وجمعها بِرَام. النهاية ١/ ١٢١. (٣) أخرجه: البخاري ٥/ ١٣٩ (٤١٠٢)، ومسلم ٦/ ١١٧ (٢٠٣٩) (١٤١).