كل يشفع حسب ما يحد له، فإنه لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه ﷾. (١)
وهذه الشفاعة تنكرها الخوارج والمعتزلة (٢)؛ لأنها تناقض مذهبهم في تخليد أهل الكبائر في النار، فهم يقولون: إن أهل الكبائر مخلدون في النار، ويستحيل أن يخرجوا منها، واستدلوا بمثل قوله تعالى:«فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ»[المدثر: ٤٨]، «مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ»[غافر: ١٨].
والشفاعة في إخراج عصاة الموحدين هي التي أشار إليها المؤلف؛ لأنها هي محل النزاع بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة.
والرابعة: شفاعته ﷺ في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، فقد سأله عمه العباس ﵁ فقال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال:(نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)(٣)
فأبو طالب بشفاعته ﷺ صار من أهون أهل النار عذابا.
وبهذه يُعلم أن الشفاعة التي تذكر لها الشروط هي الشفاعة في خروج أهل التوحيد من النار، وهي متوقفة على شرطين:
إِذْنُ الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له، وذلك بأن يكون من أهل التوحيد، قال تعالى:«وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئَاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى»[النجم: ٢٦]، «مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»[البقرة: ٢٥٥]، «وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ»[الأنبياء: ٢٨]، فلا يرد على ذلك شفاعة النبي ﷺ في أبي طالب؛ فإنها ليست شفاعة في خروجه من النار بل هي شفاعة في تخفيف العذاب عنه.