{تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً} فما زال مغموما حتى نزلت: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}.
قال ابن العربي وعياض: إن هذه الروايات باطلة لا أصل لها (١). وقال الرازي (٢): أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول.
أما القرآن فوجوه منها قوله تعالى:{قُلْ: ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ}[يونس ١٥/ ١٠] وقوله: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى}[النجم ٤/ ٥٣ - ٣] وقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ}[الحاقة ٤٤/ ٦٩ - ٤٦] فلو أنه قرأ عقيب آية النجم المذكورة: تلك الغرانيق العلا، لكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال، وذلك لا يقوله مسلم.
وأما السنة: فهي ما روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة: أنه سئل عن هذه القصة، فقال: هذا وضع من الزنادقة. وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. وأيضا:
فقد روى البخاري في صحيحة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم، وسجد فيها المسلمون والمشركون، والإنس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق.
وأما المعقول فمن وجوه: منها: أن من جوز على الرسول صلّى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان، فقد كفر؛ لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
(١) انظر أحكام القرآن لابن العربي: ١٢٨٨/ ٣ - ١٢٩٠، تفسير القرطبي: ٨٢/ ١٢ (٢) تفسير الرازي: ٥٠/ ٢٣