{وَلاَ تَكُونْوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتلفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّناتُ} (١) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((فَلَيُذَادَنَّ رجالٌ عَنْ حَوْضِي)) (٢) الْحَدِيثَ ـ إِلَى سَائِرِ مَا نُصَّ فِيهِ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ كَانَتْ نصَّاً فِي الْبِدْعَةِ فَرَاجِعَةُ الْمَعْنَى إِلَى المُبتدِع مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ، وَإِذَا رَجَعَ الْجَمِيعُ إلى ذمهم، رجع الجميع إلى تأْثيمهم.
٢- أنَّ الشَّرْعَ قَدْ دَلَّ عَلَى أنَّ الْهَوَى هو المتَّبَع الأوَّل في البدع، وَدَلِيلُ الشَّرْعِ كَالتَّبَعِ فِي حَقِّهِمْ. وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ يتأوَّلون كلَّ دَلِيلٍ خَالَفَ هَوَاهُمْ، وَيَتَّبِعُونَ كلَّ شُبْهَةٍ وَافَقَتْ أَغْرَاضَهُمْ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فأمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنةِ وابْتِغاءَ تأْوِيلِهِ} (٣) فَأَثْبَتَ لَهُمُ الزَّيْغَ أوَّلاً، وَهُوَ الْمَيْلُ عَنِ الصَّوَابِ، ثُمَّ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُحْكَمِ الواضح المعنى.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تكُونوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلفُوا مِنْ بعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ} (٤) فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَجِيءِ الْبَيَانِ الشَّافِي، وأنَّ التَّفَرُّقَ إنَّما حَصَلَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ لَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، فَهُوَ إذًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى بِعَيْنِهِ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا كَثِيرَةٌ تُشِيرُ أَوْ تصرِّح بأنَّ كلَّ مُبْتَدِعٍ إنَّما يَتَّبِعُ هَوَاهُ، وَإِذَا اتَّبَعَ هَوَاهُ كَانَ مَذْمُومًا وآثماً. والأدلة عليه أيضاً كثيرة، كقوله:
(١) آل عمران: ١٠٥.(٢) رواه مُسْلِمٌ (٢٤٩) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، والذود: الدفع والمنع والطرد.(٣) آل عمران: ٧.(٤) آل عمران: ١٠٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute