رأيت مثل هامته ولا قَصَرته ولا أنيابه , فهمّ أن يأكلني , فيُذكر أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«ذاك جبريل لو دنا منّي لأخَذَه»(١) , وفي رواية أخرى: فلمّا أتاه وهو ساجد رفع يده وفيها الفِهرُ ليَدْمغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (زعم)(٢) , فيبست يده على الحجر (٣) , فلم يستطع إرسال الحجر من يده , فرجع إلى أصحابه فقالوا: أجَبُنتَ عن الرجل؟ ! فقال: لم أفعل , ولكن هذا في يدي لا أستطيع إرسالَه , فعجبوا من ذلك فوجدوا أصابعه قد يبست على الحجر فعالَجوها حتى خلصوها وقالوا: هذا شيء يُراد (٤) , وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل (٥): هل يغفّر محمّدٌ وجهه بين أظهركم , فقيل: نعم , (فقال)(٦): واللات والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته أو لأعفِّرنَّ وجهه في التراب -قال-: فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي زعم لِيَطَأ على رقبته , فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه (٧) -قال-: فقيل له: مالك , قال: إنّ بيني وبينه لخندقاً من نار وهَولاً وأجنحةً , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو دَنا مني لاختطفته الملائكة عُضواً عضواً ... » الحديث (٨)؛ فكيد سحرة فرعون وإن كان عظيماً فإنه كان لأجل فرعون إما رغبة وإمّا رهبة فلا يوازي كيد أبي جهل إذ كان يجهد لنفسه بنفسه في أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليَشفي غيظ قلبه منه , وليس من يسعى ويجهد لغيره في القوّة كمن يسعى لنفسه , ثم إن من نُصر به محمد - صلى الله عليه وسلم - كان جبريل والملائكة عليه وعليهم السلام كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو دنا منّي لاختطفتهُ الملائكةُ [ق ٢٣/و] عضواً عضواً»(٩) ,
(١) أخرجه البيهقي في الدلائل (٢/ ٦٥) , وأخرجه بنحوه أبو نعيم في الدلائل (١/ ٢٠٥) ح ١٥٦. (٢) "زعم" ليس في ب. (٣) في ب "حجره". (٤) أخرجه بنحوه أبو نعيم في الدلائل (١/ ١٩٩) ح ١٥٢. (٥) في ب "أبو جعفر" , وهو خطأ. (٦) "فقال" ليس في ب. (٧) في ب "ببدنه" , وهو تصحيف. (٨) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٥٤) , كتاب صفة القيامة والجنة والنار , باب قوله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧)} [العلق: ٦ - ٧] , ح ٢٧٩٧. (٩) تقدم تخريجه في الحديث السابق.