وقوله في دعائه " اللهم فشفعه فيَّ " دل ذلك على أن معنى قوله: " أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد " أي بدعائه وشفاعته. (٢)
٤) لو كان توسل الرجل الضرير بجاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرأينا الجمع الغفير من الأكِفّاء بعد حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوسلون بذات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلباً للشفاء. فلما تركوا ذلك مع وجود المقتضى وانتفاء الموانع دل على عدم المشروعية.
٥) ومما يؤيده:
أن الرجل الضرير قد توسل بدعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- له، وليس بجاهه؛ أن علماء السير قد ذكروا هذه الحادثة في باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء:
القاضي عياض في كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (ص/٣١٦)، والبيهقي في " دلائل النبوة " (٦/ ١٦)
٦) كذلك يقال:
إن حمل الحديث على أن الرجل قد توسل بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم - هو الموافق لفهم الصحابة رضى الله عنهم؛ فهكذا قد فهمه عمربن الخطاب - رضي الله عنه - يوم استسقى بالعباس - رضى الله عنه - عام الرمادة، وهكذا فهمه معاوية بن سفيان - رضى الله عنه - يوم استسقى بيزيد بن الأسود الجُرَشى. (٣) وحمل النص على فهم الصحابة - رضي الله عنهم - وإجماعهم مقدَّم على حمله على فهم من سواهم.
* قالوا:
قد روى البخاري عن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله:
«اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ
(١) وانظر فيض القدير (٣/ ١٣٧٦) وغاية الأماني في الرد على النبهاني (٢/ ٤٠٠) (٢) مجموع الفتاوى (١/ ٣٢٥) (٣) قد استسقى معاوية بن أبي سفيان بيزيد بن الأسود الجُرَشى، وقال: "اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا. يا يزيد، ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ودعا، ودَعْوا، فسقوا " وهذا قد عزاه الحافظ له ولأبي زرعة الرازي في تاريخه وصحح إسناده في " الإصابة " (٣/ ٦٧٣)، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ "٢/ ٣٨٠، ٣٨١" وابن سعد في الطبقات "٧/ ٤٤٤"، وأبو زرعة في تاريخ دمشق "١/ ٦٠٢". قال الحافظ العسقلاني: رواه أبو زرعة الدمشقي ويعقوب بن سفيان في تاريخهما بسند صحيح. وقال الألباني في " التوسل أنواعه وأحكامه " (ص/٤١): " رواه ابن عساكر في تاريخه بسند صحيح ".