أما الشريعة فلها شأن آخر؛ إذ هي جملة نصوص الكتاب والسنة الصحيحة غير المنسوخة، وهي بهذا الاعتبار مباركة معصومة.
يقول الشاطبي:"إن هذه الشريعة المباركة معصومة، كما أن صاحبها - صلى الله عليه وسلم - معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة"(١).
وهي عامة لكل الخلق في كل زمان ومكان، حاكمة لا محكومة، ومطلقة لا مقيدة، ثابتة لا تزول، لها السيادة العليا والحكم الأعلى:"لا عمل يُفرض، ولا حركة ولا سكون يُدَّعى؛ إلا والشريعة عليه حاكمة"(٢)، فإذا اعترى الفقهَ -الذي هو عمل المجتهدين- نوعُ قصورٍ أو خلل أو ضعف فلا سبيل لشيء من ذلك إلى الشريعة؛ إذ هي تنزيل من حكيم حميد، فلا يجوز نسبة شيء من النقص إلى كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
على أن الفقه -أيضًا- لا تسلم في حقه تلك الدعاوى؛ فلقد عرف فقهاؤنا التطور وصاحبوه مصاحبة عميقة في تاريخهم الحي والعملي بأسره، يقول عمر بن عبد العزيز:"تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور"(٣).
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "تحدثون ويحدث لكم"(٤).
ومما يشهد لذلك ويدل عليه قول معاذ -رضي الله عنه-: "أجتهد رأيي ولا آلو"(٥).
(١) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ٥٨). (٢) الموافقات، للشاطبي، (١/ ٧٨). (٣) المنتقى شرح الموطأ، للباجي، (٨/ ٦٤). (٤) أخرجه: أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في "السنة"، تحقيق: سالم أحمد السلفي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط ١، ١٤٠٨ هـ، (٨٠)، والدارمي، المقدمة، باب: الفتيا وما فيه من الشدة، (١٧٤)، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إنكم اليوم على الفطرة وإنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول". (٥) أخرجه: أبو داود، كتاب الأقضية، باب: اجتهاد الرأي في القضاء، (٣٥٩٢)، والترمذي، كتاب الأحكام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: ما جاء في القاضي كيف يقضي، (١٣٢٧، ١٣٢٨)، عن الحارث بن =