الخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: ٥٥ - ٥٦]، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ، وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنهُ اسْتِدْرَاجٌ»(١). ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآية:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[الأنعام: ٤٤].
- ومنها أن فيها الترغيب في الآخرة والزهد في الدنيا، قال سبحانه:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه: ١٣١].
- ومنها بيان حقارة الدنيا وهوانها على الله، روى الترمذي في سننه من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»(٢).
وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِالسُّوقِ داخلاً من بعض العالية وَالنَّاسُ كنفته، فَمَرَّ بِجَدْىٍ أَسَكَّ - أي صغير الأذن - ميِّتٍ، فتناوله فأخذ بأذنه فقَالَ:«أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ » فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ:«أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ » قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ ! فَقَالَ:«فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ»(٣).
وروى مسلم في صحيحه من حديث مستورد أخي بني فهر - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ
(١) مسند الإمام أحمد (٢٨/ ٥٤٧) برقم (١٧٣١١)، وقال محققوه: حديث حسن. (٢) سنن الترمذي برقم (٢٣٢٠)، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه. (٣) صحيح مسلم برقم (٢٩٥٧).