فكان الكفار يقرون بتوحيد الربوبية، وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون -إذا سلموا من البدع فيه- وكانوا مع هذا مشركين، لأنهم كانوا يعبدون غير الله، قال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}(٢)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(٣)، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ}(٤).
فبين سبحانه أنه بهذا التوحيد بعث جميع الرسل، وأنه بعث إلى كل أمة رسولًا به، وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله لا من الأولين ولا من
(١) في س: وقالت ثلاثة. وهو تصحيف. يقول ابن كثير -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ١٠٦ / يوسف. "قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون به، وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم". وقد ذكر ابن الجوزي -رحمه الله- في "زاد المسير" ٤/ ٢٩٤ عند تفسيره لهذه الآية الكريمة ثلاثة أقوال: الأول: عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والشعبي: أنهم المشركون الذين يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم وهم يشركون به. والثاني: عن ابن عباس: أنهم النصارى، يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم ومع ذلك يشركون به. الثالث: عن الحسن أنهم المنافقون، يؤمنون في الظاهر رئاء الناس، وهم في الباطن كافرون. (٢) سورة الزخرف، الآية: ٤٥. (٣) سورة الأنبياء، الآية: ٢٥. (٤) سورة النحل، الآية: ٣٦.