وقال في "الفتح": قوله: "ما حجبني إلخ": أي ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته، فاستأذنت عليه، وليس كما حمله بعضهم على إطلاقه، فقال: كيف جاز له أن يدخل على غير محرم بغير حجاب؟ ثمّ تكلّف في الجواب أن المراد مجلسه المختصّ بالرجال، أو أن المراد بالحجاب منه ما يطلبه منه، قال الحافظ: قوله: "ما حجبني" يتناول الجميع مع بُعد إرادة الأخير. انتهى (٢).
قوله:(مُنْذُ أَسْلَمْتُ) ظرف لـ "حجبني"(وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ في وَجْهِي) وفي رواية البخاريُّ: "إِلَّا ضحك"، ومعنى "ضحِك" تبسّم، وفعل ذلك إكرامًا ولُطفَا، وبَشَاشةً، قاله النووي، وقال القرطبيّ: هذا منه -صلى الله عليه وسلم- فَرَحٌ به، وبشاشةٌ للقائه، وإعجابٌ برؤيته، فإنّه كان من كَمَلَة الرجال خَلْقًا وخُلُقًا. انتهى (٣).
وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" بسند صحيح، عن المغيرة بن شِبْل قال: قال جرير: لمّا دَنَوت من المدينة أَنخْتُ راحلتي، ثمّ حَلَلت عَيْبتي، ثمّ لبست حُلَّتي، ثمّ دخلت المسجد، فإذا النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فرماني النَّاس بالحَدَق، قال: فقلت لجليسي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمري شيئًا؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته، فقال:"إنّه سيدخل عليكم من هذا الْفَجّ من خير ذي يمن، أَلَا وإن على وجهه مَسْحَةَ مَلَك"، قال جرير: فحمدت الله -عَزَّ وَجَلَّ- على ما أبلاني (٤).
(وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ) أي إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (أَنِّي) بفتح الهمزة؛ لوقوعها مفعولًا به (لَا أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ) يعني أنه كان يسقط، أو يخاف السقوط من على ظهورها حالة
(١) "المفهم" ٦/ ٤٠٣. (٢) "الفتح" ٧/ ١٦٤. (٣) "المفهم " ٦/ ٤٠٣. (٤) رواه أحمد في "مسنده" ٤/ ٣٦٠ - ٣٦٤ والحميديّ في "مسنده" (٨٠٠).