وليس المقصود باللين عدم إنكار المنكر، وإنما اللين في الأسلوب حيث يغني اللين ويحقق الغرض، وذلك باستنفاد جميع الوسائل الممكنة التي تضمن الاستجابة، ولا تستعدي الآخرين، وراجع - إن شئت - حديث البخاري في قصة الرجل الذي جامَع أهله في نهار رمضان، كيف عرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددًا من الخيارات للتكفير عن ذنبه، فقال له:«هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا»، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - تمرٌ، فأعطاه للرجل، وقال له:«خذ هذا فتصدق به». فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله، والله ما بين لَابتَيْها أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال:«أطعمه أهلك»(١).
فاللين صورة من صور الرحمة يضعها الله في قلب العبد، قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ...}[آل عمران: ١٥٩].
والرفيق الرحيم أحقُّ الناس برحمة الله كما في الحديث:«الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء»(٢)، ولذلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان أرحم الناس بالصبيان والعيال)(٣)، ونفى كمال الإيمان عمَّن لا يرحم، «ليس
(١) صحيح البخاري - كتاب الصوم - باب ٣٠ - الحديث ١٩٣٦ (فتح الباري ٤/ ١٠٦٣). (٢) صحيح الجامع برقم ٣٥٢٢ (صحيح)، وهو عند أحمد وأبي داود الترمذي والحاكم. (٣) صحيح الجامع برقم ٤٧٩٨ (صحيح).