رَبَض الجنة لمن يترك المراء والجدل وهو يعلم أنه على حق وصواب:«أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقًّا»(١)، وهذه أعلى درجات المطاوعة.
وإنما يكون هلاك الأمة باختلافها كما جاء في الحديث:«.. فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا»(٢)، ولو تنازل بعضهم لما اختلفوا، ولما هلكوا، وقد كان القرن الأول في أسمى صور المطاوعة، ومن ذلك ما ورد أن عثمان - رضي الله عنه - صلى في منًى أربعًا فبلغ ذلك ابن مسعود - رضي الله عنه - فأزعجه ما سمع، ومع ذلك صلى معه أربعًا، فلما سئل عن ذلك قال:(الخلاف شر)(٣)، ولما نُوقشت البيعة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رجل من الأنصار: منا رجل ومنكم رجل، فقال عمر - رضي الله عنه -: (سيفان في غمد واحد؟! إذا لا يصطلحان)(٤)، وهذا من فقه عمر - رضي الله عنه -.
وإن النفوس العالية لتملك أن تعامل بسلامة الصدر مهما عظم الخلاف فقد قال علي - رضي الله عنه - في حق من خرجوا عليه يوم الجمل حين سئل عنهم: أكفار هم؟ أم منافقون؟ أم ماذا؟ فقال:(إخواننا بغوا علينا)(٥) ولم يقبل أن يتهمهم بكفر أو نفاق، وقد كان ممن قاتله في معركة الجمل الصحابي طلحة - رضي الله عنه -، فكان يقول لعمران بن
(١) أخرجه أبو داود وإسناده صحيح (جامع الأصول ١١/ ٧٣٤ برقم ٩٤١٩). (٢) صحيح البخاري - كتاب الخصومات - باب ١ - الحديث ٢٤١٠ (الفتح ٥/ ٧٠). (٣) حياة الصحابة ٢/ ٩ (نقلًا عن الكنز ٤/ ٢٤٢). (٤) سنن البيهقي ٨/ ١٧٣. (٥) طبقات بن سعد ٣/ ٢٢٤، وسنن البيهقي ٨/ ١٧٣.